عندما تنظر إلى عَلم معيّن، ستشعر ربما بالفخر أو الوطنية، أو على الأقل سيذكّرك ببلد أو ثقافة أو لغة أو أشخاص. فالعَلم ليس مجرد قطعة قماش مُحمّلة بالألوان والرموز، بل هو يمثل هويةً كاملةً. فمتى بدأ استخدام الأعلام عبر التاريخ؟ وما علاقة العَلَم بالسياسة والمجتمع؟ تعرّف في هذا المقال على تاريخ الأعلام ورمزيتها.
تعريف العَلم:
العلم (أو الراية) هو ببساطة قطعة من القماش تُستخدم كرمز أو شعار لدولة أو جماعة أو جمعية أو منظمة أو قوة عسكرية أو شركة أو حتى شخص.
يكون غالبًا مُعلقًا من جهة واحدة، ويحمل شكلًا مستطيلًا، لكنه قد يأخذ أشكالًا أخرى كالمربع (مثل علم سويسرا) أو شكلًا متعرّجًا (متل أعلام النيبال وولاية أوهيو الأميركية).
وبما أن الرايات كانت تُستخدم أساسًا في ساحات المعارك، كرموز لأطراف النزاع وكعلامة لتحديد أراضي “الحلفاء والأعداء”، كان من المهم أن تكون مصنوعة من مادة خفيفة تسمح لها بالرفرفة، وأن تحمل الرمز نفسه من الجهتين.
نشأة الأعلام: متى بدأ استخدامها؟
إن الاستخدام الأول المعروف للأعلام كان من قِبل الصينيين القدماء، تحديدًا في عصر سُلالة «زو – Zhou» الحاكمة والتي دامت فترة حكمها بين عامي 1046 و256 قبل الميلاد. وحملت أعلامهم رموزًا عدة (على سبيل المثال طائر أحمر، تنين أزرق، نمر أبيض،…). وكان العلم الملكي يحظى بنفس درجة الاحترام والتبجيل التي يحصل عليها شخص الملك نفسه، فممنوع المس به أو لمسه.
في الهند القديمة، استُخدمت الأعلام ذات الشكل المثلّث واللون الأحمر او الأخضر وحملت غالبًا رموزًا ذهبية. وعُلِّقت الأعلام على العربات والفيلة، كما أنها تميّزت بأهميتها في القتالات والحروب، بحيث أن سقوط العلم كان يعني الهزيمة.
ساهمت الفتوحات الإسلامية (العرب والأتراك) فيما بعد بنشر الأعلام في أوروبا. فقد ذُكرت الأعلام منذ تاريخ الإسلام الحديث، ومن المُرجّح أنهم نقلوها عن الهنود. ولكنهم ساهموا بتبسيطها بشكل كبير، فحملت معظمها لونًا واحدًا. وقد رمز اللون الأسود إلى النبي محمد، وقد استُخدم هذا اللون من قبل العباسيين. أما الأمويين فقد استخدموا اللون الأبيض، فيما استخدم الفاطميون اللون الأخضر الذي أصبح فيما بعد يرمز للإسلام. في العام 1250 بعد الميلاد، تبنّى العثمانيون رمز الهلال الذي كان مقدسًا عند الآشوريين (منذ القرن التاسع قبل الميلاد). منذ ذلك الحين، اعتُمد الهلال كشعار للمسلمين.
أما في أوروبا، فقد بدأ اعتماد الأعلام الوطنية في القرون الوسطى وفي عصر النهضة.
رمزية الأعلام:
رغم اعتماد الأعلام الوطنية حول العالم عددًا محدودًا من الألوان والرموز، إلا أن أنماطها تتنوع بشكل كبير بين الدول المختلفة. ولابدّ من الإشارة إلى أن اعتماد الألوان والرموز ليس عشوائيًا، بل هو يرتبط بالموقع الجغرافي للدولة وتاريخها وثقافتها وتكوينها الأيديولوجي والديني، وغيرها من العوامل. وبالتالي فإن العلم مُصمّم ليبعث برسالة معينة، ويتم تصميمها غالبًا في فترات سياسية مصيرية ومهمة. فعلم إيرلندا مثلًا صُمم للتعبير عن الوحدة الوطنية الإيرلندية، فيمثل الخط الأخضر الكاثوليك ويمثل الخط البرتقالي البروتستانت، ويجمع بينها (في الوسط) خط أبيض يرمز للسلام والوحدة بين الفئتين.
لذلك نشأ علم حديث نسبيًا، في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، يُدعى بال«Vexillology – علم الأعلام»، وهو يُعنى بدراسة الأعلام ورموزها وتاريخها.
يقوم تحليل الأعلام على فك شيفرتها على المستويين الدلالي والنحوي. المستوى الدلالي يحلّل كل عنصر أو رمز بشكل معزول (مثلًا دلالة اللون الأحمر على الدم أو الغضب…)، أما المستوى النحوي فهو يعالج أنماط الرموز وعلاقتها ببعضها، إذ إن استخدام الألوان نفسها في شكل أو نمط أو ترتيب مختلف يغير رمزية العلم كليًا.
ماذا تكشف دراسة الأعلام؟
في دراسة مثيرة للجدل أجرتها جامعة «دونجا جوريكا – Donja Gorica»، تبيّن أن دراسة الأعلام لا تقتصر على تحليل الرموز في سياقها التاريخي والثقافي، بل هي أيضًا قادرة على توقع المستوى الاقتصادي والاجتماعي ومستوى التنمية البشرية لدولة معينة بحسب عَلَمها. بل أكثر من ذلك، تقول الدراسة أن تحليل الأعلام قادر على توقع معدل الذكاء في الدولة.
من هنا، بيّنت الدراسة علاقة الأعلام بالسياسة وعلم الاجتماع.
رغم بساطتها، تحمل الرايات وزنًا ثقيلًا من السياسة والتاريخ والثقافة والجغرافيا. فإلامَ يرمز علم بلادك؟
المصادر:
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :