اكتشف فريق من العلماء طريقة مقاومة نوع من البكتيريا للضرر الناجم عن الإشعاع. المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع (Deinococcus radiodurans) هي بكتيريا تعيش في ظروف قاسية، ويمكنها تحمل الظروف التي قد تقتل معظم أشكال الحياة. إن قدرة هذه البكتيريا على مقاومة الإشعاع أقوى بآلاف المرات من الجرعة القاتلة للبشر.
وقد أدى بحثهم، الذي نشر في 12 ديسمبر في مجلة “PNAS”، إلى تصميم مضاد قوي للأكسدة مستوحى من آليات الدفاع الطبيعية للبكتيريا. يمكن أن يكون لهذا الاكتشاف آثار بعيدة المدى، بدءًا من حماية رواد الفضاء في مهمات الفضاء السحيق وحتى تحسين صحة الإنسان على الأرض.
محتويات المقال :
القوة المميتة للإشعاع المؤين
لفهم مدى خطورة الإشعاع المؤين، ضع في اعتبارك إمكانية موت الإنسان بسبب التعرض للإشعاع بأقل من 400-500 راد (قياس جرعة الإشعاع). وهذا يعادل 4-5 أشعة سينية على الصدر. لكن بالنسبة لبعض الكائنات الحية الدقيقة، مثل المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع، فهذا لا يعتبر خطيرًا. حيث يمكنهم تحمل جرعات من الإشعاع أقوى بآلاف المرات من الجرعة المميتة للبشر.
يعمل الإشعاع المؤين عن طريق إزالة الإلكترونات من الذرات، مما يؤدي إلى تكوين جزيئات شديدة التفاعل تسمى الجذور الحرة (free radicals). تشبه هذه الجذور الحرة الأسلحة، حيث تندفع عبر الخلية وتسبب الفوضى أينما ذهبت. ويمكنها تدمير الحمض النووي، وإتلاف البروتينات، وحتى تعطيل التوازن الدقيق للوظائف الخلوية.
بالنسبة للبشر، يمكن أن تكون آثار الإشعاع المؤين مدمرة. يمكن أن تسبب متلازمة الإشعاع الحادة أعراضًا مثل الغثيان والقيء والإسهال، في حين أن التعرض للإشعاع على المدى الطويل يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسرطان وتلف الأنسجة والأعضاء.
آليات البكتيريا المقاومة للإشعاع
كشفت الأبحاث أن المرونة العجيبة لهذه البكتيريا ترجع إلى مجموعة من آليات الحماية التي تعمل معًا لحمايتها من الأضرار الإشعاعية.
أحد العوامل الرئيسية هو جدارها الخلوي الواقي، الذي يعمل كحاجز مادي ضد الإشعاع. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك البكتيريا آليات إصلاح فعالة يمكنها إصلاح تلف الحمض النووي الناجم عن الإشعاع، مما يسمح لها بالتعافي من الآثار الضارة للإشعاع المؤين.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو ترسانة البكتيريا من مضادات الأكسدة، والتي يمكنها تحييد الجذور الحرة الناتجة عن الإشعاع. حيث تلعب مضادات الأكسدة هذه دورًا حاسمًا في الحفاظ على الوظائف الخلوية للبكتيريا، وخاصة إصلاح الحمض النووي.
إنشاء مضاد أكسدة قوي مستوحى من الطبيعة
انبهر العلماء منذ فترة طويلة بقدرةهذه البكتيريا الرائعة على مقاومة الضرر الإشعاعي. يكمن أحد مفاتيح نجاحها في مركب فريد من نوعه مضاد للأكسدة يحمي بروتيناتها من التلف الناجم عن الإشعاع. وفي دراسة رائدة، استلهم الباحثون من هذه الأعجوبة الطبيعية لتصميم مضاد للأكسدة قوي خاص بهم.
مضاد الأكسدة الجديد، المسمى الببتيد المعتمد على المنجنيز (MDP)، هو نسخة مختبرية من المركب المحتوي على المنغنيز الموجود في المكورة الغريبة المقاومة للإشعاع. ومن خلال الجمع بين أيونات المنجنيز مع أيون الفوسفات والببتيد المصمم خصيصًا، أنشأ الباحثون درعًا قويًا ضد الجذور الحرة.
ولكن ما الذي يجعل مضاد الأكسدة الجديد فعالاً إلى هذا الحد؟ السر يكمن في طريقة تفاعل مكوناته. في حين أن المنجنيز وحده لا يستطيع تكوين روابط قوية مع الببتيد، فإن إضافة أيون الفوسفات يقوي الروابط، وينتج مركبًا يمكنه تحمل جرعة مذهلة تبلغ 12,000 مرة من الجرعة المميتة البشرية من الإشعاع المؤين.
التطبيقات والتأثيرات
إن هذا الاكتشاف له آثار بعيدة المدى تتجاوز المختبر. فعندما نسافر إلى الفضاء، تصبح حماية البشر من التعرض للإشعاع مصدر قلق بالغ. يمكن أن يكون الببتيد المعتمد على المنجنيز هو المفتاح لتخفيف مخاطر الإشعاع الفضائي، وضمان سلامة رواد الفضاء في مهمات الفضاء السحيق.
كما تمتد إمكانات الببتيد المعتمد على المنجنيز إلى تحسين الصحة على الأرض. فقد يكون من الممكن الوقاية من متلازمة الإشعاع الحادة، التي تنطوي على مضاعفات مناعية شديدة، باستخدامه. كما أن الارتباط بين مقاومة الإشعاع والشيخوخة يفتح أيضًا آفاقًا جديدة لاستكشاف دوره في مكافحة الشيخوخة الأيضية. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تطوير استراتيجيات علاجية جديدة، وتعزيز صحة الإنسان وطول العمر.
المصادر
How ‘Conan the Bacterium’ combines simple metabolites to withstand extreme radiation | phys.org
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :