بكتيريا الأمعاء | كيف ترتبط الأمراض النفسية بالجهاز الهضمي؟
جورج بورتر فيلبس، طبيب نفسي عمل بمستشفى بيثلام الملكية بلندن القرن الماضي. وبينما يمضي في عمله متابعًا مرضاه المصابين بـ «الكآبة-melancholia» وجدهم يعانون من إمساك شديد بالإضافة إلى أعراض تأثر الأيض من هشاشة الأظافر وشحوب البشرة.
يأتي الاستنتاج البديهي إلى أذهاننا جميعًا، يرجع ظهور هذه الأعراض إلى الاكتئاب. لكن فيلبس تسائل ماذا لو كان الأمر معكوسا؟ ماذا لو أن هذه الأعراض هي سبب الاكتئاب؟
محتويات المقال :
عدّل فيليبس النظام الغذائي لثمانية عشر مريضًا مقللًا نسبة اللحوم في غذائهم ومعتمدًا على مشروب من الحليب المخّمر (الكفير) الذي يحتوى على البكتيريا اللبنية (نوع من البكتريا تساعد على الهضم).
جاءت النتائج بشفاء 11 مريضًا بشكل كامل من أعراض الاكتئاب، بالإضافة إلى تحسن اثنين آخرين.
لم يهتم المجتمع العلمي بنتائج تجربة جورج فيليبس في زمنه. لكن بالنظر إلى ما توصل إليه العلم الآن، نجد فيلبس ناجحًا في تقديم أول الأدلة على العلاقة بين بكتيريا الأمعاء والصحة العقلية.
يسكن جهازنا الهضمي تريليونات الأجسام الدقيقة من فطريات أو فيروسات أوبكتيريا، تتركز البكتيريا بشكل أساسي في الأمعاء الغليظة، وتختلف من شخص لأخر. بمعنى أن كل منا يملك نسخته المميزة من بكتيريا الأمعاء اعتمادًا على نظامه الغذائي وأسلوب حياته.
تؤثر هذه البكتيريا على كل شيء تقريبًا بداية من الشهية والوزن حتى المشاعر والحالة المزاجية. ويعرف نظام التواصل بينها وبين والدماغ بالمحور الدماغي-المعوي.
ظهرت أشهر الأدلة على وجود المحور الدماغي المعوي في عام 2004. إذ أجرى فريق من الباحثين من جامعة كيوشو اليابانية دراستهم على الفئران. استخدم الفريق سلالة من الفئران المعقمة (نشأت في بيئة خالية من الميكروبات) التي لا تحمل أي ميكروبات على أو داخل جسدها. ولاحظوا تقلبات في مستوى هرمون الكورتيكوستيرون والهرمون المحفز للغدة الكظرية. يرتبط كل من الهرمونين بمستوى الضغط النفسي، ومن هنا استنتج العلماء العلاقة بين بكتيريا الأمعاء والحالة المزاجية.
لم يتوقف فريق الباحثين عند هذا الحد، إذ حقنوا سلالة الفئران المعقمة بجرعة بكتيريا لبنية (نفس سلالة البكتيريا التي استخدمها فيليبس في تجربته). لاحظ العلماء انخفاض معدلات الضغط النفسي عند الفئران التي حقنت بسلالة البكتيريا مقارنة بالسلالة المعقمة تمامًا.
توصل العلماء في دراسة أخرى إلى نتائج تدعم وجود المحور الدماغي-المعوي. إذ حقن العلماء سلالة من الفئران المعقمة بعينة من بكتيريا الأمعاء المستخلصة من مرضى اكتئاب. لوحظ سلوك الفئران ووُجد أنهم أكثر عرضة للانسحاب من مهام بسيطة كالسباحة. كذلك ظهرت عليهم أعراض مثل الحزن والإحباط التي ترتبط بشكل أساسي بمرض الاكتئاب.
درس العلماء النظام الدماغي -المعوي، ووضعوا عددًا من النظريات التي تفسره، منها:
هذا العصب من الأعصاب المخية التي تخرج من المخ، ثم تنتشر في أنحاء الجسم.
توجد مستقبلات هذا العصب بالقرب من البطانة الداخلية للأمعاء لتساعد في تنظيم عملية الهضم. لذا عند وجود خلل في بكتيريا الأمعاء يمكنها أن تبعث رسائل كيميائية تؤثر في نشاط هذا العصب وبالتالي المخ.
تحافظ سلالات البكتيريا على سلامة الجدار الداخلى للأمعاء (عن طريق الحفاظ على سلامة الغشاء المخاطي فتمنع تسرب مكوناته إلى مجرى الدم) عند حدوث خلل في هذه البكتيريا، يختل جدار الحماية ويحدث تسريب لمكونات الأمعاء.
نتيجة لهذا الخلل تُفرز «سيتوكينات ما قبل الالتهاب-pre inflammatory cytokines» التي ترفع معدل سيلان الدم إلى المنطقة المصابة وتنظم رد الفعل المناعي. تسبب هذه السيتوكينات أيضاً شعورًا بتدني الحالة المزاجية والنعاس، وهذا هو سبب شعورنا بالإجهاد وقت المرض.
تعد هذه الآلية مفيدة على المدى القصير، إذ تساعد على حفظ طاقة الجسم لمحاربة العدوى. أما على المدى الطويل فيمكنها أن تؤدي إلى الإكتئاب.
دراسة الأمراض النفسية من منظور الجهاز الهمضي مجال علم جديد ومميز، ويقدم لنا آمالًا جديدة.
على الرغم من وجود الأدوية المضادة للاكتئاب إلا أن أعراضها الجانبية تقلل الزام المرضى بها، ولا تقدم حلًا قاطعًا. لذا يأمل العلماء من خلال دراستهم لبكتيريا الجهاز الهضمي إلى التوصل إلى حلول جديدة ومضمونة للأمراض النفسية وأهمها الاكتئاب.
اقرأ أيضًا: ما هو اكتئاب ما بعد التخرج وكيف يمكن التخلص منه؟
في عالم الكم، لم تعد قواعد الفيزياء الكلاسيكية قابلة للتطبيق. واحدة من أكثر الحالات الرائعة…
أظهرت دراسة جديدة أن المرضى يجدون الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفاً وتفهماً من الأطباء النفسيين وخبراء…
باتت التجارب الرقمية أكثر عمقًا وانغماسًا مع دمج الحواس البشرية في البيئات الافتراضية. ويأتي نظام…
في اكتشاف رائد، كشف باحثون من جامعة أتينيو دي مانيلا عن أدلة على وجود شكل…
درس العلماء الأسماك الغضروفية الحديثة، مثل أسماك القرش وأسماك الزلاجات. وقارنوها بنظيراتها عديمة الفك، مثل…
تحول دماغ شاب إلى زجاج منذ ما يقرب من 2000 عام، وهي ظاهرة يعتقد العلماء…