وُلِد تطور أشبه بالقصص الخيالية في مدينة مودورنو الخلابة بتركيا في عام 2014. إذ وعد مشروع «برج الباباس ـ Burj Al Babas» الذي أطلقته «مجموعة ساروت- the Sarot Group»، بإضفاء لمسة من سحر ديزني على التلال المتموجة لهذه المنطقة التاريخية. وتمثلت خطة المشروع الطموحة في بناء 732 منزلًا فاخرًا يشبه القلعة، مزودةً بأبراج زرقاء، وسلالم حلزونية، وجميع وسائل الراحة الحديثة التي يمكن للمرء أن يرغب فيها.
لكن تعد القصة وراء هذا التطور معقدة، وتتضمن طموحات كبيرة، وخلافات. فما هي قصة هذه القلاع؟
محتويات المقال :
طموحات العيش في منازل فريدة
يعود تاريخ الانبهار بالمساكن الكبرى المحصنة إلى قرون مضت. حيث عُدت القلاع بمثابة رموز للقوة، والثروة، والأمن. ومع مرور الوقت، تطور التصميم المعماري لهذه الهياكل من أجل دمج التقنيات والمواد والأساليب الفنية الأحدث.
أثارت الثورة الصناعية في القرن التاسع عشر قفزةً في التصنيع، مما أدى إلى زيادة الثروة والتحضر. وهذا بدوره أدى إلى زيادة الرغبة في الحصول على منازل كبيرة ومزخرفة تعكس الوضع الاجتماعي لأصحابها.
وبالتقدم سريعًا إلى القرن العشرين، اتخذ مفهوم المنازل الفاخرة منعطفًا دراماتيكيًا. مع تسارع العولمة والنمو الاقتصادي، ارتفع الطلب على المساكن الحصرية الراقية. وبدأ المطورون والمهندسون المعماريون في تلبية هذا الطلب من خلال إنشاء عقارات راقية مستوحاة من مصادر مختلفة بما في ذلك بالطبع، القلاع الخيالية.
تجلت هذه الظاهرة في تركيا في شكل برج الباباس، وهو مجمع منتجعي فخم يضم 732 منزلاً على طراز قلعة ديزني، والتي وعدت بنقل أصحابها إلى عالم من القصص الخيالية. ولكن كما سنكتشف لاحقًا، فإن هذا المشروع الطموح سوف يستسلم في النهاية للواقع القاسي للنقاد الاقتصاديين والثقافيين.
الفكرة الأولى لبرج الباباس
تقع هذه المنطقة في وادٍ مغطى بأشجار الصنوبر وينعم بالينابيع الساخنة، وهي واحدة من المناطق التاريخية في تركيا. وقد لفتت انتباه مطوري العقارات والمستثمرين في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. فبَنَت مجموعة ساروت فندقين للينابيع الساخنة في المنطقة. وبعدها أطلقت المشروع الأكثر طموحًا في تاريخها عام 2014: برج الباباس.
سعت المجموعة إلى إنشاء أحد أكبر المنتجعات الفاخرة في تركيا. وصُمم المشروع ليشمل مساجد وصالونات تجميل وحمامات تركية ومركز تسوق. وقد تراوحت الأسعار من 370 ألف دولار إلى 530 ألف دولار، مما جعلها فرصةً استثماريةً جذابةً للباحثين عن منزل صيفي. وتم بيع نصف الوحدات بسرعة، خاصة لعملاء من قطر، والبحرين، والكويت، والإمارات العربية المتحدة.
بناء حلم برج الباباس
عندما يتعلق الأمر ببناء قلعة، يجب على المهندسين أن يفكروا في أكثر من مجرد القصص الخيالية الرومانسية. إذ يكمن تفاعل معقد بين العلوم، والرياضيات، والهندسة المعمارية والإنشائية خلف هذه الهياكل المهيبة، والتصميمات المعقدة، والميزات الغريبة. فاستلزم بناء 732 منزلاً شبيهاً بالقلعة في برج الباباس فهماً عميقاً لمختلف المبادئ العلمية لضمان متانة هذه المساكن الفاخرة وسلامتها وفعاليتها.
يلزم أيضًا فهم خصائص المواد وتطبيقاتها، فاختيرت أرضيات رخامية وخشبية، وجدران وأسقف مزينة بالجص.
إضافةً إلى ذلك، فقد شملت المساكن مسابح داخلية، وخارجية، ونوافير. كما لعب استخدام التكنولوجيا المتطورة دورًا مهمًا في إحياء هذه القلاع. فاحتوت على أنظمة التدفئة الحديثة، وتكنولوجيا التشغيل الآلي للمنزل، ومصاعد حديثة. لكي تجمع بين التقنية الذكية والعصور القديمة.
عندما ننظر إلى قلاع برج الباباس المهجورة الآن، من الضروري أن نقدر البراعة العلمية التي ساهمت في إنشاء هذه الهياكل، حتى لو انتهت قصتها في النهاية بالهجر.
لماذا أصبحت باباس مدينة الأشباح؟
مع تقدم مشروع برج الباباس، بدأت الخلافات تظهر. بدايةً تزايد قلق الحكومة التركية والسكان المحليين بشأن التأثير الثقافي والبيئي للمشروع. وكان يُنظر إلى التصميم المختار -وهو بعيد كل البعد عن النموذج التاريخي للمنطقةـ على أنه إهانة للتراث الثقافي الغني للمدينة. علاوة على ذلك، شابت عملية البناء مزاعم بقطع الأشجار بشكل غير قانوني، مما زاد من توتر العلاقات بين المطورين والمجتمع.
في الوقت نفسه، بدأ الاقتصاد العالمي في التراجع عام 2018، وعانى سوق العقارات بشكل كبير. ودفع انخفاض قيمة الليرة التركية مجموعة ساروت المثقلة بالديون بالفعل إلى حافة الانهيار المالي. ومع تزايد العبء المالي، اضطرت الشركة إلى إعلان إفلاسها. تاركة 587 وحدة غير مكتملة ومهجورة، شاهدةً على فشل المشروع. لقد تحول المنتجع الذي كان مرتبطًا بالبذخ والرفاهية إلى مدينة أشباح. وهو دليل على عواقب سوء التخطيط المالي.
سقوط برج الباباس
قوبلت محاولات مجموعة ساروت لإحياء المشروع بالتشكيك. وعلى الرغم من إعلانها عن خطط لبيع 100 قلعة إضافية لتسوية الديون، إلا أن الشركة لم تتمكن من إيجاد طريقة للخروج من المستنقع المالي. بدأ حلم العيش في قلعة تركية خيالية بأبراج زرقاء وسلالم حلزونية يتلاشى، وحل محله الواقع القاسي للوضع الاقتصادي.
عند النظر إلى برج الباباس، نواجه مشهدًا يضم الفخامة وجهًا لوجه مع الفن الهابط. فالمنازل الشبيهة بقلعة ديزني البالغ عددها 732 منزلاً، والتي كانت توصف ذات يوم بأنها مثال للبذخ، أصبحت الآن بمثابة شهادة على سطحية رغباتنا. يسلط التصميم المتقن الإنتاج لهذه القلاع الضوء على مخاطر النزعة الاستهلاكية الجامحة، حيث يتم التضحية بالأصالة على حساب العظمة المصطنعة، وتعطى الأولوية للسطحية على حساب الجوهرية.
يكشف أحد التحديثات الأخيرة للمشروع عن استحواذ شركة NOVA Group Holdings -وهي شركة أمريكية متعددة الجنسيات- على مواصلة تطويره. يبقى الآن أن نرى الاتجاه الذي ستتخذه الشركة الجديدة، ما إذا كانت ستستفيد من الشهرة وتحول المجمع إلى منطقة جذب سياحي، أو تختار إعادة التأهيل مع التعديلات المعمارية لتخفيف “تأثير الفن الهابط”. هذا ما سنعرفه لاحقًا. وأنت هل تتمنى العيش في قلعة كهذه أم تراها مثالًا للسطحية؟
المصدر
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :