...
Ad

اكتشف فريق من مهندسي البيئة أن بعض أنواع البكتيريا يمكن أن تفكك “المواد الكيميائية الأبدية”، وهي مجموعة من الملوثات التي ابتليت بها إمدادات المياه في العالم لعقود من الزمن. بقيادة يوجي مين، الأستاذ المشارك في جامعة كاليفورنيا، ريفرسايد (UCR)، حدد الباحثون أنواعًا بكتيرية محددة يمكنها كسر الروابط بين الفلور والكربون في أنواع معينة من “المواد الكيميائية الأبدية”، مما يوفر حلاً واعدًا لمعالجة مياه الشرب الملوثة بتكلفة منخفضة.

يمثل هذا الاكتشاف، الذي نُشر في مجلة (Science Advances) في 17 يوليو، علامة بارزة في السعي لإزالة (PFAS) من مياه الشرب. ومع فرض وكالة حماية البيئة الأميركية قيود صارمة على جودة المياه، أصبحت الحاجة إلى حلول معالجة فعالة وبأسعار معقولة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى. وتفتح النتائج التي توصل إليها فريق (UCR) الباب أمام حقبة جديدة من حلول الهندسية الحيوية، مما يمهد الطريق لمستقبل أنظف وأكثر صحة لملايين الأشخاص حول العالم.

خطر المواد الكيميائية الأبدية

أصبحت مواد البيرفلوروالكيل والبولي فلورو ألكيل (الفاعلات بالسطح الفلورية) (PFAS) مصدر قلق بيئي كبير في السنوات الأخيرة، وذلك لسبب وجيه. حيث تم العثور على هذه المواد الكيميائية الاصطناعية، المعروفة باسم المواد الكيميائية الأبدية (Forever chemicals)، بتركيزات مثيرة للقلق في إمدادات مياه الشرب في جميع أنحاء العالم.

لكن ما الذي يجعلهم خطرين إلى هذا الحد؟ تكمن الإجابة في بنيتها الجزيئية الفريدة، والتي تتميز بروابط قوية بين الفلور والكربون. هذه الروابط تجعل (PFAS) مقاومة للتحلل، مما يسمح لها بالبقاء في البيئة لعدة قرون. ونتيجة لذلك، تم ربطها بمختلف المشاكل الصحية، بما في ذلك السرطان، والمشاكل الإنجابية، واضطرابات الجهاز المناعي.

العواقب وخيمة فاللتر الواحد من المياه الملوثة يمكن أن يؤثر على آلاف الأشخاص. إن حجم المشكلة هائل، حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 200 مليون شخص في جميع أنحاء العالم يتعرضون لمياه الشرب الملوثة بالـ (PFAS).

كيف وصلنا الى هذه المرحلة اذًا؟ أدى استخدام الفاعلات بالسطح الفلورية الواسع النطاق في المنتجات الاستهلاكية، مثل أواني الطهي غير اللاصقة، وتغليف المواد الغذائية، ورغاوي مكافحة الحرائق، إلى إطلاقها في البيئة. ويمكن لهذه المواد الكيميائية أن تتسرب إلى التربة والمياه الجوفية، لتجد طريقها في نهاية المطاف إلى مياه الشرب لدينا.

تاريخ مواد البيرفلوروالكيل والبولي فلورو ألكيل

تتمتع المواد البيرفلوروالكيل والبولي فلورو ألكيل (PFAS) بتاريخ طويل من الاستخدام في العديد من المنتجات الاستهلاكية، يعود تاريخها إلى الأربعينيات من القرن الماضي. حيث اكتشف العلماء أن هذه المواد الكيميائية يمكن أن تقاوم الحرارة والماء والدهون، مما يجعلها متعددة الاستخدامات بشكل لا يصدق. قام المصنعون بدمجها في مجموعة واسعة من المنتجات، بدءًا من الرغاوي المثبطة للحرائق وحتى الأغلفة والحاويات الورقية المقاومة للشحوم، مثل أكياس الفشار التي تعمل بالميكروويف وعلب البيتزا. كما استخدموها في المواد المزيلة للبقع والماء للسجاد والمفروشات والملابس والأقمشة الأخرى.

ولكن مع تزايد استخدام (PFAS)، زادت المخاوف بشأن تأثيرها البيئي. حيث بدأت مركبات (PFAS) تتراكم في البيئة، وتلوث التربة والماء والهواء. وظل مصطلح “المواد الكيميائية الأبدية” عالقًا في الأذهان، حيث أدرك العلماء أن هذه المواد ظلت موجودة في البيئة.

وبالتقدم سريعًا إلى الوقت الحاضر، أصبحت مواد البيرفلوروالكيل والبولي فلورو ألكيل تشكل خطرًا بيئيًا كبيرًا. وقد ربطت وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) بين هذه المواد والسرطان وغيره من الأمراض والمشاكل الصحية، مما دفع الوكالة إلى فرض حدود صارمة على جودة المياه في وقت سابق من هذا العام. حيث تقيد اللوائح الجديدة بعض المركبات الباقية إلى الأبد بأربعة أجزاء فقط في التريليون في مياه الصنبور في البلاد.

بكتيريا تفكك المواد الكيميائية الأبدية

بكتيريا تفكك المواد الكيميائية الأبدية

في أعماق بيئات مياه الصرف الصحي حول العالم، تم اكتشاف مجموعة من الأبطال المجهريين، القادرين على تفكيك “المواد الكيميائية الأبدية” سيئة السمعة التي كانت تلوث مياه الشرب لدينا. تمتلك الكائنات الحية الدقيقة، التي تنتمي إلى جنس (Acetobacterium)، قدرة فريدة على كسر تلك الروابط العنيدة بين الفلور والكربون في مواد البيرفلوروالكيل والبولي فلورو ألكيل

تقوم هذه الكائنات الحية الدقيقة باستخدام إنزيمات متخصصة لتفكيك مركبات (PFAS) إلى أجزاء أصغر وغير سامة. هذه الإنزيمات، التي تعمل كمحفزات للتفاعلات الكيميائية الحيوية، هي المفتاح لبدأ عملية إزالة الفلوريد (defluorination). ومن خلال فهم الآلية الكامنة وراء هذه الإنزيمات، يمكن للعلماء الآن العمل على تحسين كفاءتها، مما يجعلها فعالة ضد نطاق أوسع من جزيئات (PFAS).

حلول منخفضة التكلفة وصديقة للبيئة

إن المستقبل حيث تتم معالجة مياه الشرب الملوثة بجزء صغير من التكلفة الحالية، دون الإضرار بالبيئة هو ما يطمح إليه العلماء. ومن خلال تسخير قوة هذه الكائنات الحية الدقيقة، يمكننا إنشاء حلول منخفضة التكلفة وصديقة للبيئة لتنظيف إمدادات المياه لدينا.

ومع اللوائح الجديدة لوكالة حماية البيئة التي تقيد مستويات مواد البيرفلوروالكيل والبولي فلورو ألكيل في مياه الصنبور، يسعى مقدمو المياه جاهدين لإيجاد طرق معالجة فعالة وبأسعار معقولة. إن استخدام هذا الكائن المجهري يمكن أن يغير كل شيء. ومن خلال حقن أنواع البكتيريا في المياه الجوفية الملوثة، يمكننا تدمير ملوثات (PFAS) قبل أن تصل إلى صنابيرنا. لا يوفر هذا النهج المال فحسب، بل يقلل أيضًا من التأثير البيئي لطرق المعالجة التقليدية.

المصدر

Microbes found to destroy certain ‘forever chemicals’ / science daily

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء بيئة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 294
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.