الوعي ظاهرة غامضة ومثيرة للاهتمام حيرت البشرية لعدة قرون. على الرغم من كونه الجانب الأكثر أهمية وأساسية في وجودنا، إلا أن الوعي يظل محاطًا بالغموض. وتتخذ دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين خطوة جريئة نحو حل لغز الوعي من خلال اقتراح فكرة ثورية، ماذا لو نشأ وعينا من التشابك الكمي داخل أدمغتنا؟ ظل هذا المفهوم الجذري باقياً على هامش أبحاث الوعي منذ أن اقترحه عالم الرياضيات البريطاني روجر بنروز لأول مرة في عام 1989. والآن، تم تعيين فريق من الباحثين لاختبار هذه الفرضية من خلال ربط الدماغ بحاسوب كمي. لكن ما هو الوعي بالضبط، وكيف وصلنا إلى هذه النقطة في سعينا لفهمه؟
محتويات المقال :
على الرغم من كونه جانبًا أساسيًا من التجربة الإنسانية، إلا أننا ما زلنا لا نفهم تمامًا كيف ينشأ الوعي أو ما هو بالضبط. يمكننا أن نشعر به، ونختبره، لكننا لا نستطيع أن نضع إصبعنا عليه. وقد أدت هذه الخاصية الغامضة إلى عدد كبير من النظريات والفرضيات والمناقشات في المجتمع العلمي.
أحد التحديات الرئيسية في فهم الوعي هو أنه تجربة ذاتية. ولا يمكننا أن نلاحظه أو نقيسه بشكل مباشر؛ يمكننا فقط أن نختبرها بأنفسنا أو نلاحظ آثارها على الآخرين. هذه الذاتية تجعل من الصعب تطوير تعريف واضح وموضوعي للوعي. هل هو نتاج تفاعلات كهربائية وكيميائية في الدماغ؟ هل هي خاصية ناشئة للشبكات العصبية المعقدة؟ أم أنه شيء أكثر جوهرية، مثل جانب أساسي من الكون نفسه؟
تنعكس مراوغة الوعي أيضًا في لغتنا. حيث نستخدم الاستعارات والتشبيهات لوصفها، لكن هذه الأوصاف غالبًا ما تكون قاصرة. نقول إن الوعي يشبه “التوهج” أو “النور” الذي ينير تجاربنا، لكن ماذا يعني ذلك حقًا؟ نحن نكافح من أجل العثور على الكلمات المناسبة للتعبير عن جوهر الوعي، وهذا الصراع هو شهادة على طبيعته الغامضة.
عندما يتعلق الأمر بفهم الوعي، اقترح العلماء نظريات مختلفة لتفسير هذه الظاهرة المعقدة. هناك فكرتان رئيسيتان هما نظرية المعلومات المتكاملة (IIT) ونظرية مساحة العمل العالمية (GWT). ولكن ما الذي تنطوي عليه هذه النظريات، وكيف تختلف؟
تشير نظرية المعلومات المتكاملة، التي اقترحها عالم الأعصاب جوليو تونوني، إلى أن الوعي ينشأ من المعلومات المتكاملة الناتجة عن التفاعلات السببية داخل النظام. وفقًا للنظرية، فإن الوعي هو نتاج المعلومات المتكاملة عبر أجزاء مختلفة من الدماغ. كلما كانت المعلومات أكثر تكاملا وتوحيدا، كلما كان الإنسان أكثر وعيا.
من ناحية أخرى، تفترض نظرية مساحة العمل العالمية أن الوعي ينشأ من مساحة العمل العالمية للدماغ. تشير مساحة العمل العالمية إلى شبكة من المناطق المترابطة للغاية في الدماغ والتي تشارك في الاهتمام والإدراك والذاكرة. ووفقًا للنظرية، يحدث الوعي عندما يتم بث المعلومات عالميًا إلى أجزاء مختلفة من الدماغ، مما يجعلها في متناول المعالجة والتكامل.
وبينما تحاول كلتا النظريتين شرح الارتباطات العصبية للوعي، إلا أنهما تختلفان في نهجهما. حيث تركز نظرية المعلومات المتكاملة على المعلومات المتكاملة داخل النظام، في حين تركز نظرية مساحة العمل العالمية على مساحة العمل العالمية وبث المعلومات. وعلى الرغم من هذه الاختلافات، فقد كان لكلتا النظريتين تأثير في تشكيل فهمنا للوعي، وأثارتا المزيد من الأبحاث حول هذه الظاهرة المعقدة.
ربما بدت الفكرة الثورية التي طرحها عالم الرياضيات البريطاني روجر بنروز بأن الوعي ينشأ من التشابك الكمي في الدماغ فكرة بعيدة المنال في عام 1989، ولكن الأبحاث الحديثة أعطتها فرصة جديدة للحياة.
إن حجة بنروز، المنتشرة في العديد من الكتب، تقترح فكرة أن هناك مشاكل معينة لا يمكن حلها بواسطة أجهزة الكمبيوتر التقليدية، ومع ذلك يمكن للبشر فهمها. ويقترح أن هذا يرجع إلى أن أدمغتنا تعمل بشكل مختلف، ربما عن طريق التشابك الكمي.
قوبلت الفكرة في البداية بالتشكيك، وكان أحد الانتقادات الرئيسية هو أن التشابك ظاهرة هشة تتحلل بسرعة حتى في درجات الحرارة المنخفضة. ولكن ماذا لو كان لدى أدمغتنا طريقة للحفاظ على التشابك، على الرغم من كونها بيئة دافئة ورطبة؟
وقد قدم اكتشاف الأنيبيبات الدقيقة (microtubules) داخل الخلايا العصبية حلاً محتملاً لهذه المشكلة. يمكن لهذه الهياكل الصغيرة أن توفر بيئة مستقرة لحدوث التشابك، كما اقترحت الأبحاث الحديثة. حيث وجدت دراسة شملت إعطاء الفئران أدوية تربط الأنيبيبات الدقيقة، أن التخدير استغرق وقتًا أطول لإخراجها من الوعي، مما يشير ضمنًا إلى دور الأنيبيبات الدقيقة في الوعي.
أثارت فكرة بنروز، رغم أنها لا تزال على هامش أبحاث الوعي، موجة جديدة من الاهتمام. إن احتمال نشوء الوعي من التشابك قد فتح آفاقًا جديدة للاستكشاف، بما في ذلك إمكانية إنشاء واجهات بين العقول البشرية وأجهزة الكمبيوتر الكمومية. يمكن لهذا المفهوم الجريء أن يحدث ثورة في فهمنا للوعي، لكنها فرضية تتطلب اختبارًا صارمًا. ويبقى السؤال: هل يمكننا حقًا “”توسيع”” وعينا من خلال ربط أدمغتنا بأجهزة الكمبيوتر الكمومية؟ تكمن الإجابة في التجارب التي ستضع قفزة بنروز الكمية على المحك.
اقترح فريق بحثي آخر نهجًا غير تقليدي إلى حد كبير لاختبار الفرضية القائلة بأن الوعي ظاهرة كمية. يعمل هذا الفريق، الذي يضم هارتموت نيفين، الذي يقود مختبر الذكاء الاصطناعي الكمي في جوجل، على افتراض مختلف عن افتراض بنروز. فبدلاً من اقتراح أن الوعي ينشأ في لحظة انهيار التراكب الكمي، يقترحون أنه قد ينشأ أثناء تكوينه. تهدف هذه الفرضية البديلة إلى تجنب التداعيات الإشكالية للاتصالات الأسرع من الضوء داخل الدماغ، والتي يبدو أن نظرية بينروز الأصلية تشير إليها.
ويقترح الباحثون تجربة حاسمة لاختبار نظريتهم تتمثل في إقامة رابط مادي بين دماغ بشري وحاسوب كمي، مما يتيح تفاعلات متماسكة وتشابك كمي. ويفترضون أن هذا الرابط من شأنه أن يؤدي إلى تجارب واعية أكثر ثراءً في النظام المركب، الأمر الذي يتطلب بتات وصفية أكثر من التجارب التي يبلغ عنها الإنسان دون الرابط. ويتضمن هذا ربط نظام داخل الدماغ ببتات كمومية في تراكب داخل الحاسوب الكمي.
قبل الاقتران، يوجد الدماغ والحاسوب الكمومي في فضاءات حالة منفصلة (فضاءات هيلبرت) ذات أبعاد “N” و”M” على التوالي. وبعد التفاعل، توجد دالة الموجة للنظام المدمج في فضاء هيلبرت ذي أبعاد “N×M”. يفترض الباحثون أن التراكب في هذا الفضاء ذي الأبعاد الأعلى سيكون أكثر ثراءً من التراكب في الفضاء ذي الأبعاد “N” الأدنى للدماغ المعزول.
إذا استطاع شخص ما أن يربط دماغه (باستخدام N كيوبت) بجهاز كمبيوتر كمي خارجي (باستخدام M كيوبت)، فإنه يستطيع أن يخلق تراكبًا كميًا موسعًا يتضمن “N+M” كيوبت. ومن شأن انهيار هذا التراكب الكمي الموسع أن يؤدي إلى إبلاغ المشارك عن تجربة أكثر ثراءً. وذلك لأن تجربته الواعية الطبيعية تتطلب “N” بت لوصفها، ولكن التجربة المجمعة تتطلب “N+M” بت. ويطلق نيفين على هذا “بروتوكول التوسع”، لأنه قد يؤدي إلى توسيع الوعي في المكان والزمان والتعقيد.
إن التقارير التي تتحدث عن تجارب أكثر ثراءً في ظل هذه الظروف من شأنها أن تقدم دليلاً على أن الوعي ظاهرة كمية. ورغم أن هذه الفكرة رائعة، فإن الاختبار يعتمد على القدرة على ربط النشاط في دماغ شخص ما بجهاز كمبيوتر كمي، وهو إجراء يتطلب تدخلاً جراحياً ولن يحدث في أي وقت قريب.
في حين أن فكرة اختبار الوعي من خلال التشابك الكمي مثيرة للاهتمام، إلا أنها ليست الطريقة الوحيدة لفهم هذه الظاهرة المعقدة. في الواقع، هناك العديد من الأبحاث الواعدة الأخرى التي لا تعتمد على الإجراءات الجراحية أو أجهزة الكمبيوتر الكمومية.
أحد مجالات البحث هذه هو تأثير الغازات الخاملة مثل الزينون على الوعي. وقد أظهرت الدراسات أن هذه الغازات يمكن أن تغير الوعي، مما يؤدي إلى رؤى جديدة حول كيفية عمل أدمغتنا. بالإضافة إلى ذلك، يستكشف الباحثون دور الأنيبيبات الدقيقة في الخلايا العصبية، والتي يمكن أن توفر بيئة مستقرة للتشابك الكمي.
قد تحمل هذه الأساليب البديلة المفتاح لكشف أسرار الوعي، حتى لو لم ينجح الاتصال الكمي. ومن خلال استكشاف طرق متعددة، يمكن للعلماء تجميع صورة أكثر اكتمالا لهذه الظاهرة الغامضة.
Testing the Conjecture That Quantum Processes Create Conscious Experience | entropy
ماذا لو طاردتك ذكريات غير مرغوب فيها لا يمكنك التخلص منها، وتغزو أفكارك وعواطفك في…
الطفيليات هي الضيوف غير المدعوين الذين يعيشون في أجسادنا، على بشرتنا، وفي فراشنا. غالبًا ما…
توصل فريق دولي من العلماء إلى أن عملية اختيار الشمبانزي للأدوات الحجرية في تكسير المكسرات…
هل اختبرت الشعور بالوقت بطرق مختلفة في حياتك من قبل؟ ربما تعرضت أو تعرف أحدًا…
ذبابة الفاكهة الشائعة (Drosophila melanogaster)، هي حشرة موجودة في كل مكان حول الفاكهة الناضجة. وغالبًا…
تختلف تعريفات "الفن". حيث تصفه الموسوعة البريطانية المحدودة (Britannica) بأنه شيء "مُخلَّق بوعي من خلال…