أحدثت «الموصلات أو الناقلات الفائقة-Superconductors» ثورة حقيقة في تكنلوجيا القرن العشرين، وأسهمت في تطوير قطاعات النقل والتخزين وتكنلوجيا المعلومات. فهي تتيح نقل التيارات الكهربائية دون أي هدر أو ضياع في الطاقة، وكأن التيار يستمر فيها لأجل غير مسمى. كما أن لها تطبيقات عديدة في حياتنا اليومية بدءًا من التجهيزات الطبية وحتى القطارات السريعة. فما هي الموصلات الفائقة؟ كيف تعمل ؟ وما آخر ما توصل إليه العلماء حولها؟
يطلق مصطلح الموصلات الفائقة على نواقل معدنية (غالبًا) تكون في حالة فيزيائية تسمى «الموصلية أو الناقلية الفائقة-Superconductivity». تتميز المادة في حالة الموصلية الفائقة بانعدام المقاومة الكهربائية التي تطبقها على التيار المار فيها. كما أنها لا تسمح بدخول الحقول المغناطيسية داخلها. لذلك تتيح الموصلات الفائقة نقل التيارات الكهربائية القوية دون أي ضياع في الطاقة، وتتدفق فيها الكهرباء بحرية دون عوائق.
غالبًا ما نصل إلى حالة الموصلية الفائقة عند تبريد بعض المواد إلى درجات منخفضة جدًا. في حين يعمل الباحثون الآن على تطوير موصلات قادرة على العمل في درجات الحرارة العادية، مما قد يحدث ثورة تكنلوجية أكبر. [1]
محتويات المقال :
يعود اكتشاف حالة الموصلية الفائقة إلى عالم الفيزياء الهولندي «كامرلنغ أونس-Kamerlingh Onnes» عام 1911. كان أونس يدرس الخصائص الكهربائية لمادة الزئبق في مختبره في «جامعة ليدن-Leiden university» في هولندا. واكتشف أن المقاومة الكهربائية للزئبق تتلاشى كليًا عند تبريده بشكل الكبير، لحوالي 4.2 درجة مئوية فقط فوق الصفر المطلق*. وليتأكد من نتيجته؛ طبق أونس تيارًا كهربائيًا على عينة من الزئبق المبرد، ثم فصل منبع التيار. استمر جريان التيار في الزئبق دون أي ضياع، مما أكد انعدام المقاومة الكهربائية، وفتح لنا أبوابًا واسعة من تطبيقات الموصلية الفائقة. [1]
*«الصفر المطلق-Absolute zero»: هو أقل درجة حرارة يمكن الوصول لها وتساوي -273.15 درجة مئوية.
أمضى الباحثون عقودًا من الزمن يبحثون في طبيعة الموصلية الفائقة وما يسببها. فوجدوا أن عدة مواد (ليس كلها) تكتسب خاصية الموصلية الفائقة عند تبريدها إلى درجة حرارة معينة. توسع فهمنا للموصلات الفائقة مع اكتشاف الفيزيائيين «والتر ميسنر-Walther Meissner» و «روبرت أوكسنفلد-Robert Ochsenfeld» أنها “تطرد” الحقول المغناطيسية قريبة. مما يعني أنها تمنع الحقول الضعيفة من التوغل فيها. وقد سميت هذه الظاهرة «تأثير ميسنر-Meissner effect» عام 1933. [2]
ثم عام 1950 نشر عالما الفيزياء النظرية «ليف لانداو-Lev Landau» و «فيتالي جينزبرغ-Vitaly Ginzburg» أول نظرية ناقشت كيفية عمل الموصلات الفائقة. نجحت نظريتهما في توقع خصائص الموصلات الفائقة. ولكنها درستها على المقياس الكبير، وأهملت ما يحدث على المستويات دون الذرية. [3]
وأخيرًا؛ طور الفيزيائيون «جون باردين-John Bardeen» و «ليون كوبر-Leon Cooper» و «روبرت شريفر-Robert Schrieffer» نظرية BCS المتكاملة عن الموصلية الفائقة عام 1957. [4]
بدايةً؛ تتولد المقاومة الكهربائية في النواقل نتيجة ارتداد الالكترونات الحرة في الناقل. وبحسب نظرية BCS؛ تقترن الالكترونات في أزواج تعرف «بأزواج كوبر-Cooper pairs» عند تبريدها، مما يمنعها من الارتداد. حيث تكون أزواج كوبر شديدة الاستقرار عند درجات الحرارة المنخفضة جدًا. ولذلك تختفي المقاومة الكهربائية ويسري التيار بشكل مثالي. [4]
تعمل النواقل هكذا في درجات الحرارة المنخفضة فقط. وما إن ترتفع درجة الحرارة قليلًا حتى تمتلك الإلكترونات الطاقة الكافية لكسر روابط كوبر وتتسبب في مقاومة كهربائية. لهذا السبب وجد أونس أن الزئبق يعمل كموصل فائق عند -268.96 درجة مئوية ليختفي التأثير عند -268.95 درجة مئوية. [1]
من المحتمل أنك ولمرة في حياتك رأيت أو استخدمت موصلًا فائقًا دون أن تعي ذلك . فهي أساس عمل عدة تجهيزات طبية مثل «جهاز التصوير بالرنين المغناطيسي-MRI» و«التصوير بالطنين المغناطيسي النووي-NMRI». تعتمد هذه الأجهزة على توليد حقول مغناطيسية قوية عن طريق مغانط كهربائية. إلا أن هذه المغانط قد تذيب معادن الأجهزة وتدمرها؛ بسبب الحرارة الناتجة عن أقل مقاومة في نواقلها العادية. ولكن بفضل الموصلات الفائقة التي تتيح نقل التيارات الكهربائية دون مقاومة نولد الحقول المغناطيسية الضرورية دون إحداث ضرر في الاجهزة. [5]
كما تستخدم مغانط قوية مشابهة في «قطارات ماجليف-Maglev trains» لرفع القطارات عن سككها وتخفيف الاحتكاك. وفي المفاعلات النووية ومسرعات الجسيمات عالية الطاقة والدارات الرقمية السريعة وأجهزة الكشف عن الجسيمات.
كذلك تستخدم الموصلات الفائقة لإمداد المدافع الكهرومغناطيسية بالطاقة، وهي أسلحة مدفعية تستخدم القوة الكهرومغناطيسية لإطلاق القذائف بسرعات هائلة. أي أنك تحتاج إلى موصل فائق إذا أردت ألا ينصهر جهازك ذو المغناطيس أو التيار القوي حال تشغيله. [6]
تعد الحواسيب الكمومية من أهم تطبيقات الموصلات الفائقة. حيث تُستخدم النواقل الفائقة في بناء الحواسيب الكمومية وتزويدها بالطاقة لما لها من خصائص فريدة في نقل التيار. تتألف الحواسيب الكمومية من وحدات كمية تسمى «الكيوبت-Qubit». في حين يمكن ل«بت-Bit» الحاسوب العادي أن يساوي إما 0 أو 1؛ توجد الكيوبتات في حالة من التراكب الكمي وتساوي 1 و 0 في نفس الوقت. يمكن للموصلات الفائقة تزويدها بهذه السمة؛ فالتيار المار في «حلقة فائقة التوصيل-Superconducting loop» يسري وفق اتجاه عقارب الساعة وعكسها في الوقت ذاته. [7]
يواجه العلماء تحديين في مجال الموصلات الفائقة. أولهما تطوير مواد تعمل كموصلات فائقة في الظروف العادية. حيث أن الموصلات الفائقة الحالية لا تعمل سوى عند درجات حرارة منخفضة جدًا. وثانيهما شرح آلية عمل وخصائص هذه الموصلات الجديدة.
تصنف النواقل الفائقة في مجموعتين رئيستين:
تشرح نظرية BCS آلية عمل موصلات LTS. في حين تختلف آلية عمل موصلات HTS ولا تزال من الألغاز الكبرى في الفيزياء الحديثة. ولعل السبب في ذلك أن معظم الأبحاث السابقة اهتمت بموصلات LTS؛ لأن دراستها أسهل وتطبيقاتها أهم.
في المقابل؛ تثير ناقلات HTS اهتمام العلماء في الوقت الحالي. وتعرف بأنها أي موصل فائق يعمل عند درجة حرارة أعلى من -196.2 درجة مئوية. وحتى مع كون الدرجة هذه باردة كثيرًا؛ إلا أنها مرغوبة أكثر. لأننا نصل إليها باستخدام النيتروجين السائل الأكثر شيوعًا من الهيليوم السائل المستخدم في موصلات LTS. [1]
يمكننا القول أن ذروة السعي للباحثين في مجال الموصلات الفائقة هي التوصل إلى ادة تعمل كموصل فائق في درجة حرارة الغرفة. وأفضل ما توصلنا إليه حتى الآن هو موصل فائق يعمل عند 15 درجة مئوية. ويتكون السابق من مادة هيدريد الكبريت الكربوني بعد ضغطها بمقدار 267 مليار باسكال (واحدة قياس الضغط وتساوي 1 نيوتن / متر مربع). تعادل هذه القيمة الضغط الجوي داخل الكواكب الغازية كالمشتري، مما يجعلها غير عملية على الإطلاق.
ستمكننا النواقل الفائقة التي تعمل في درجة حرارة الغرفة من نقل التيار الكهربائي دون خسارة أو هدر وبكل سهولة. كما ستمنحنا قطارات ماجليف أكثر فعالية، وأجهزة تصوير طبية أرخص ثمنًا، وستكون تطبيقاتها غير محدودة عمومًا. [8]
كل ما على الباحثين هو معرفة ما قد يجعلها تعمل في تلك الحرارة، وما هي المادة السحرية التي ستسمح بذلك.
[1] CERN
[2] Springer
[3] IOP Science
[4] The University of Maryland
[5] NASA
[6] Springer_2
[7] Nature
[8] Nature_2
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…