صحة

المس الشيطاني في مواجهة الطب النفسي

المس الشيطاني في مواجهة الطب النفسي

لابد للقارئ العربي الذي يتصفح هذا المقال الآن أن يكون قد شهد أو سمع على الأقل لمرة واحدة خلال حياته بحالة غريبة يطلق عليها الناس اسم المس الشيطاني، أو ربما اللبس، أو أي من الأسماء العامية التي تطلق على حالة عصاب نفسي معروفة في الأوساط العلمية، يُظهر من خلالها المريض أعراض تبدو للعين غير الخبيرة وكأنها ناتجة من كيان فوق طبيعي، وتسمى بـ «اضطراب الاستحواذ-possession disorder»، إذ يبدو أن للتفسير العلمي من منظور الطب رأيًا آخر مع التشخيص بدلا من الاستسلام لخرافات المس أو اللبس.

• دراسة استكشافية من افريقيا

أجرت الدكتورة (مارجولين فان دويجل Marjolein van Duijl) الباحثة في مركز الدراسات الاجتماعية التابع لجامعة أمستردام ومديرة المركز الاكليني للطب النفسي في بالكبروج سلسلة من التجارب لتوثيق ومراقبة ردود أفعال 119 حالة لأشخاص من السكان المحليين في أوغندا، وصفوا من قبل العامة على أنهم تعرضوا لمس شيطاني.
وهذا أمر شائع الحدوث في بعض الثقافات الأفريقية، التي يدعي فيها السكان المحليون “تلبس” كيانات فوق طبيعية للبشر. قامت الدكتورة دويجل بمقارنة الأعراض التي أبداها المرضى مع أعراض اضطراب الاستحواذ لمقارنتها مع الأعراض الواردة في «الدليل التشخيصي والإحصائي للأمراض العقلية-Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders» الذي يعرف اختصارًا ب (DSM).

تتضمنت الأعراض كما وثقتها الدكتورة فان دويجل التالي:

  • تغيرات في درجة الوعي مع المحيط.
  • حركات اهتزاز سريعة لأطراف الجسم.
  • التحدث بأصوات ذات طبقات مختلفة عن أصواتهم الطبيعية.
  • أحلام غريبة.
  • الشعور بعدم القدرة على التحدث أثناء نوبات الأستحواذ. [1][2]

حسنًا، للصدفة تتطابق الأعراض التي وثقتها الدكتورة مع ما يذكره الدليل عن «اضطراب الاستحواذ-possession disorder» الذي ينتمي إلى مجموعة من الأمراض النفسية تندرج تحت اسم «الأمراض النفسية الانفصالية-Dissociative Trance Disorder» و(اختصارًا DTD). الجدير بالذكر  هنا أن الأعراض التفصيلية الناتجة عنها تختلف من ثقافة إلى أخرى حسب العقيدة ومجموعة القناعات المتبناة في المجتمع المدروس. [2]

فوارق ظاهرية وتشابه جوهري في الأعراض بين الثقافات!

يصف الدليل التشخيصي الذي ذكر آنفًا سلسلة من الأعراض التفصيلية الناتجة عن «اضطراب الاستحواذ-possession disorder» والأمر المثير للإهتمام هنا هو أن هذا النوع من الأمراض النفسية يستمد أعراضه الظاهرية والصفات التي تظهر على المصابين به من الثقافة الشعبية والدينية المنتشرة في محيط المريض، أي في حالة الدراسة التي أجرتها الدكتورة فان دويجل فإن الأعراض استُمدت من البيئة والثقافة المسيحية في أوغندا أي ثقافة الايمان بالمس الشيطاني.

تنتشر مصطلحات عديدة في الثقافات الدينية الشرقية، ففي الصين، تُفسر تصرفات مرضى اضطراب الاستحواذ على أنها تلبس يعرف بإسم «تاي فو-Tai Fu»،
وفي العالم العربي، يعرف بالمس أو تلبس بالجن، وجميعها على أي حال تصنف تحت نوع الاضطرابات النفسية التي تنتمي لعائلة (DTD) أو الأمراض النفسية الفصامية ولا علاقة لتأثيرات فوق طبيعية بها. [2]

Related Post

إذن، ما هي الأسباب الحقيقية؟

1. النفسية والاجتماعية، بما في ذلك وفاة أحد الأقارب، والصراعات حول القضايا الدينية أو الثقافية ، والتوتر الداخلي بسبب الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية، وما إلى ذلك.
2. الصادمة في الماضي، ولا سيما في مرحلة الطفولة والتي تشمل الاعتداء الجنسي أو العنف أثناء الطفولة، والتورط في حرب، ومشاهدة عمل انتحاري وأحداث صادمة أخرى.
3. قد يكون لدى بعض الأشخاص نزعة وراثية للإصابة ببعض الأمراض العقلية مثل الاضطرابات الذهانية والعصبية، هذا النوع من الأفراد أكثر عرضة للإصابة بهذا الاضطراب الانفصامي.
4. لا يمكن التغاضي عن العوامل الثقافية لأنها تؤثر تأثيرًا عميقا في تكوين الإدراك الذي يزيد من تكوين شخصية الفرد وشخصيته، و قد تكون ظاهرة اضطراب الاستحواذ الانفصالية الموجودة في آسيا مختلفة تمامًا عن تلك الموجودة في الدول الأوروبية أو الأفريقية.
5. يمكن أيضًا اعتبار النشوة شكلاً من أشكال التواصل اللاواعي للتعبير عن شيء لا يمكن الكشف عنه في حالة واعية.
6. تظهر عدة شروط أيضًا أن بعض الأشخاص يعتزمون الحصول على مكاسب ثانوية من حدث النشوة، مثل الحصول على مزيد من الاهتمام من الشريك أو الزوج والعديد من الأشخاص الآخرين. [3]

العلاج

في جميع الحالات السابقة وعند ملاحظة أي من الأعراض التي تم ذكرها عن اضطراب الاستحواذ أو أحد أعراض أمراض عائلة (DTD) في المقال يوصى دومًا بالحصول على استشارة طبية من طبيب نفسي مختص للحماية من تفاقم الوضع النفسي للمريض ولا يجوز أبدًا الاستعانة بغير الطبيب المختص لمعاينة المريض. [4]

المصادر

[1]. National Library of medicine
[2] Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, 5th Edition: DSM-5
[3] Maceonian journal of medical science
[4] Mayo Clinc

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Muhammad Al Khallaf

Share
Published by
Muhammad Al Khallaf

Recent Posts

إنجاز عربي عالمي: الأردني-الأمريكي عمر ياغي يفوز بنوبل الكيمياء 2025

عمر ياغي ونوبل الكيمياء.. من تحديات شُحّ المياه إلى ثورة الأطر المعدنية العضوية (MOFs) الحلم…

يوم واحد ago

ثورة في عالم الاتصالات الكمومية: كيف تمكن عالم مصري من “ترويض” مبدأ عدم اليقين وتصويره في الزمن الحقيقي؟

ضوء كمومي مضغوط فائق السرعة: اختراق علمي يفتح آفاقاً جديدة للاتصالات المشفرة بسرعات "البيتاهرتز" على…

يومين ago

نفق كمومي في يدك: نوبل الفيزياء 2025 تفتح آفاق الحوسبة الكمومية

مُنحت جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2025 (Nobel Prize in Physics 2025) لثلاثة من أبرز…

يومين ago

مملكة دلمون: حضارة البحرين القديمة ومحطة التجارة الكبرى في الشرق الأدنى

تُعد مملكة دلمون واحدة من أقدم الممالك الحضارية في تاريخ الشرق الأدنى القديم، والتي ازدهرت…

3 أيام ago

جائزة نوبل 2025 في الطب تكرم رواد “التسامح المناعي المحيطي”

الفرامل الخفية لـ "جيش المناعة": اكتشاف الخلايا التائية التنظيمية يفتح آفاق علاج أمراض المناعة الذاتية…

3 أيام ago

“الساقية” الذكية: كيف تحولت عجلة الري المصرية القديمة إلى مصنع للطاقة النظيفة؟

السواقي المنسية: مصر تُحيي تراث الألفي عام لتوليد الكهرباء النظيفة.. طاقة المستقبل بين جنبات الماضي…

أسبوعين ago