يسجل الدماغ كل التجارب التي نتعرض لها خلال حياتنا ويكوّن من خلالها معرفتنا لأنفسنا؛ وذلك من خلال ربط آلاف الخلايا العصبية مع بعضها. يبدو الأمر داخل أدمغتنا مثل حاسوب دائم التحديث للمعلومات، حيث أنه يحتفظ بصور ذهنية عن ذواتنا في الحاضر. وللذاكرة دور كبير في ثبات هويتنا الأساسية.
لا سيما أننا نستطيع الرجوع للماضي في أدمغتنا من خلال الذكريات، ونسافر إلى المستقبل من خلال تخيلاتنا للغد. كيف يشكل الدماغ تصوراتنا الذاتية؟
محتويات المقال :
نشرت مجلة (SCAN) دراسة كشف فيها الباحثون قدرة إحدى المناطق الموجودة في الدماغ على تربيط معرفتنا لأنفسنا في الحاضر والمستقبل. وأن الإصابات في تلك المنطقة تتسبب قصور في تصورنا عن ذواتنا. وتسمى هذه المنطقة قشرة الفص الجبهي البطني (VMPFc). تعد هذه المنطقة هي المسؤولة عن تصوراتنا لأنفسنا وتثبيت الزمن المتعلق بهذه الصورة في دماغنا.
لاحظ اختصاصيو علم النفس أن عقولنا تعالج المعلومات المتعلقة بذواتنا على نحوٍ مختلف عن معالجتها للتفاصيل الأخرى. كما يتم استدعاء الذكريات التي تشير إلى الذات غالبًا بطريقة أسهل من أشكال التذكّر الأخرى في أدمغتنا. حيث تعتمد هذه الذكريات على «تأثير المرجعية الذاتية_SRE» الذي يمنح المعلومات المتعلقة بذواتنا امتيازًا خاصًّا.
كما وجد المختصون أن الذكريات المرتبطة بذواتنا تتميز عن الذكريات المتعلقة بأحداث محددة والذاكرة الدلالية التي ترتبط بمعرفتنا العامة.
وهكذا يصبح تأثير المرجعية الذاتية وسيلة لفهم الدور الذي تؤديه العمليات في الدماغ في صياغة معرفتنا لأنفسنا. حيث استعانت بعض الأبحاث بالتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI). حيث يمكن للباحثين قياس تدفق الدم بوصفه مقياسًا لنشاط الدماغ؛ وذلك لتحديد مناطق الدماغ التي تتنشط بسبب تأثير المرجعية الذاتية. وقد وجدت هذه الدراسات أن قشرة الفص الجبهي البطني مرتبطة بعملية التفكير في الذات.
تنقسم قشرة الفص الجبهي البطني إلى قسم علوي يسمى المنطقة الخارجية، وقسم سفلي يسمى المنطقة البطنية. تساهم المنطقتين في صياغة كافة أشكال التفكير المتعلقة بمعرفتنا بأنفسنا. يساهم كلاهما في صياغة أشكال التفكير المرتبطة بذواتنا؛ تقوم المنطقة الخارجية بوظيفة التمييز بين الذات والآخرين. كما أنها مرتبطة بأداء المهمات المختلفة؛ في حين يساهم القسم البطني في التعامل مع العواطف.
درس الباحثون في الدراسة السابقة حالات سبعة أشخاص ممن تعرضوا لإصابات في قشرة الفص الجبهي البطني. ومجموعة أخرى من ثمانية أشخاص لديهم إصابات في أجزاء أخرى من الدماغ، بالإضافة إلى 23 شخصًا سليمًا لا يعانون من أي إصابات في الدماغ. كان الهدف من الدراسة معرفة إن كانت المرجعية الذاتية تتأثر بشكل أكبر بإصابة الدماغ بشكل عام أم بإصابة قشرة الفص الجبهي البطني.
وقد خضع جميع المشاركين في الدراسة لاختبار عصبي نفسي شامل لمعرفة مدى قدرتهم على الخضوع لمجموعة من الاختبارات المعرفية. وتتضمن الطلاقة اللغوية والذاكرة المكانية قصيرة المدى. طلب الباحثون من المشاركين تحديد مجموعة من الصفات يرونها في أنفسهم وكذلك مجموعة من الصفات يرون بها أحد المشاهير في كلٍ من الوقت الحاضر وبعد مرور عشرة أعوام. وكان على المشاركين في وقت لاحق استدعاء هذه الصفات كاملة.
اكتشف الباحثون أن الأشخاص المصابين بإصابات أخرى في الدماغ تمكنوا من استدعاء عدد من الصفات المرتبطة بذواتهم في الحاضر والمستقبل أكبر من عدد الصفات المرتبطة بالمشاهير؛ وأن تأثير المرجعية الذاتية يشمل الذات المستقبلية والذات الحالية. إذ كان الأشخاص الذين لديهم إصابات في الدماغ أقل قدرةً من المشاركين الأصحاء على استدعاء التفاصيل المتعلقة بذواتهم المستقبلية.
جاءت نتائج الاختبارات التي أجراها الباحثون على الأشخاص الذين لديهم إصابة في قشرة الفص الجبهي البطني مختلفةً اختلافًا واضحًا. إذ أظهرمن لديهم إصابات في هذه المنطقة قدرة ضئيلة أو معدومة على تذكر صفاتهم وصفات المشاهير في الحاضر والمستقبل بالمقارنة ببقية المشاركين. كما كان هؤلاء الأشخاص أقل إيمانًا بقدرة الفرد على امتلاك سمات معينة بالمقارنة بالمشاركين الآخرين في الدراسة.
يمكن أن تساعدنا إصابات الدماغ على فهم وظيفة تلك المنطقة من الدماغ. كما توضح هذه الدراسة العلاقة بين إصابة قشرة الفص الجبهي البطني وتغير الشخصية وتبلد العواطف والكثير من التحولات في الوظائف العاطفية؛ كما توضح الدراسة أيضًا أن إصابة هذه المنطقة تؤدي إلى حدوث ذكريات كاذبة يسردها الأشخاص على أنها حدثت بالفعل بسبب خلل في آليات استعادة الذكريات وتتبعها.
طلب الباحثون من المشاركين التفكير في ذواتهم في الماضي؛ لكن قشرة أمام الفص الجبهي البطني لم تسجل أي نشاط أكثر من الذي سجلته عند التفكير في شخص آخر. وهكذا، يبدو أن ذواتنا الماضية غريبة على أنفسنا، كما لو كانت تخص أحد آخر. وقد قدم الباحثون تفسيرًا لهذه الحالة حيث أننا عند إدراك أي عيب في سلوكنا أو ذواتنا القديمة يجعلنا نميل إلى وضع مسافة بين الحاضر والماضي.
تضم القشرة الأمامية الجبهية شبكة تساهم في عملية التخطيط للمستقبل. وتتألف هذه الشبكة من الحُصين الذي يؤدي دور مهم في تشكيل الذاكرة العرضية التي تجعلنا نتكر أحداث حياتنا بتتابع زمني صحيح. والتأثير على نشاط الحُصين يؤدي إلى تغيير التخيلات الإبداعية والمستقبلية.
من الواضح أن التفكير المستقبلي قد أدى دورًا مهمًّا في تطور البشر؛ إذ من المحتمل أن تكون تلك القدرة قد أسهمت في تطور اللغة. كما أن لها دورًا رئيسيًّا في تحقيق التواصل بين البشر.
وبفضل هذه الأبحاث الجديدة أصبح لدينا الآن فكرة أفضل من أي وقت مضى عن المكان الذي تتشكل فيه هذه القدرة المحورية داخل الدماغ.
المصادر:
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…