في دراسة رائدة نشرت في 12 يونيو في مجلة (Science Advances)، طور باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو (UC San Diego) روبوتات دقيقة لعلاج سرطان الرئة. يجمع هذا الإنجاز الرائع بين علم الأحياء وتكنولوجيا النانو لإنشاء أداة قوية في مكافحة هذا المرض الفتاك. الروبوتات الصغيرة هي نتيجة جهد تعاوني بين مختبرات جوزيف وانغ وليانغفانغ تشانغ، الأساتذة في قسم الهندسة الكيميائية وهندسة النانو في كلية الهندسة بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو جاكوبس.
الروبوتات الصغيرة عبارة عن أجهزة تستغل قوة خلايا الطحالب الخضراء للسباحة عبر الرئتين، لتوصيل دواء علاج كيميائي قوي مباشرة إلى الأورام. وقد أظهر هذا النهج المبتكر نتائج واعدة في الفئران المصابة بسرطان الجلد الذي انتشر إلى الرئتين، مما أدى إلى زيادة متوسط وقت بقائها على قيد الحياة بمقدار 37 يومًا. يعتقد الباحثون أن هذه التقنية لديها القدرة على مكافحة أنواع مختلفة من الأمراض القاتلة في الرئتين. وهم يعملون الآن على تطوير هذا العلاج بالروبوتات الدقيقة للتجارب على الحيوانات الأكبر حجمًا. والهدف النهائي المتمثل في إجراء تجارب سريرية على البشر.
محتويات المقال :
قبضة السرطان القاتلة على الرئتين
يمكن أن تصبح الرئة، التي كانت ذات يوم ملاذًا للهواء الغني بالأكسجين، أرضًا خصبة للخلايا السرطانية. إن الإحصائيات مروعة، فسرطان الرئة هو السبب الرئيسي للوفيات المرتبطة بالسرطان في جميع أنحاء العالم. حيث يحصد أرواح أكثر من 1.8 مليون شخص سنويًا. ولكن ما الذي يجعل الرئتين عرضة للسرطان؟ أحد الأسباب الرئيسية هو الشبكة المعقدة من الأوعية الدموية والأكياس الهوائية التي تشكل الرئتين. يوفر هذا الهيكل متاهة واسعة لإخفاء الخلايا السرطانية لتتكاثر وتزدهر.
علاوة على ذلك، فإن البيئة الفريدة للرئتين، مع التعرض المستمر للأكسجين والسموم البيئية، يمكن أن تؤدي إلى طفرات جينية تؤدي إلى السرطان. كما يمكن أن يضعف الجهاز المناعي في الرئتين بسبب الالتهاب المزمن، مما يسمح للخلايا السرطانية بالسيطرة. إنها عاصفة كاملة من العوامل التي تجعل من الرئتين أرضًا خصبة لنمو السرطان.
تاريخ موجز للعلاج الموجه
لقد كان السعي للتغلب على السرطان طويلًا وشاقًا، حيث عمل العلماء والباحثون بلا كلل لتطوير علاجات مبتكرة يمكنها استهداف الخلايا السرطانية وتدميرها بشكل فعال مع الحفاظ على الأنسجة السليمة. وكان أحد أهم الإنجازات في هذه الرحلة هو تطوير علاج الموجه.
العلاج الموجه (Targeted therapy)، هو نهج يتضمن استخدام الأدوية أو المواد الأخرى لاستهداف الخلايا السرطانية على وجه التحديد. مما يقلل من الآثار الجانبية الضارة المرتبطة بالعلاج الكيميائي التقليدي. يعود مفهوم العلاج الموجه إلى أوائل القرن العشرين، عندما بدأ العلماء لأول مرة في فهم الآليات الجينية الكامنة وراء السرطان. ومع ذلك، لم يتم تطوير أول علاج موجه للسرطان إلا في الثمانينيات. بما في ذلك الدواء الثوري جليفيك، الذي يستهدف بروتينًا محددًا متورطًا في سرطان الدم النخاعي المزمن.
منذ ذلك الحين، حقق الباحثون تقدمًا هائلاً في تطوير علاجات موجهة يمكنها قتل الخلايا السرطانية بشكل انتقائي مع ترك الخلايا السليمة سليمة. اليوم، هناك العديد من العلاجات الموجهة المتاحة لأنواع مختلفة من السرطان، بما في ذلك سرطان الثدي والرئة وسرطان القولون والمستقيم. ومع ذلك، على الرغم من هذا التقدم، لا تزال هناك تحديات كبيرة يجب التغلب عليها، بما في ذلك تطور مقاومة الأدوية والفعالية المحدودة للعلاجات الحالية.
وهنا يأتي دور الروبوتات الصغيرة، وهي تقنية غيرت قواعد اللعبة وتجمع بين قوة العلاج الموجه ودقة تكنولوجيا النانو والبراعة البيولوجية لخلايا الطحالب الخضراء. ومن خلال تسخير نقاط القوة الجماعية لهذه التقنيات، ابتكر العلماء نهجًا جديدًا لعلاج السرطان من شأنه أن يحدث ثورة في هذا المجال.
الروبوتات الدقيقة
من خلال تسخير قوة علم الأحياء وتكنولوجيا النانو، ابتكر الباحثون روبوتات صغيرة يمكنها توصيل العلاج بكفاءة إلى الأورام في الرئتين. تتمتع هذه التكنولوجيا التي ستغير قواعد اللعبة بالقدرة على تغيير الطريقة التي نعالج بها سرطان الرئة، مما يوفر أملًا جديدًا للمرضى وعائلاتهم.
تعتبر الروبوتات الصغيرة تحفة فنية في مجال هندسة النانو الحيوية، حيث تجمع بين الحركة الطبيعية لخلايا الطحالب ودقة الجسيمات النانوية. تم تصميم هذه الروبوتات الصغيرة للتنقل في المتاهة المعقدة للرئتين، والبحث عن الخلايا السرطانية وتقديم جرعة من العلاج الكيميائي. يقلل هذا النهج المستهدف من مخاطر الآثار الجانبية ويقلل من الضرر الذي يلحق بالخلايا السليمة. ومن خلال الاستفادة من الخصائص الفريدة لخلايا الطحالب والجسيمات النانوية، أنشأ العلماء نظامًا يمكنه استهداف الخلايا السرطانية بكفاءة، مما يوفر خيار علاج أكثر فعالية.
تمثل هذه التكنولوجيا المبتكرة خطوة هامة إلى الأمام في السعي وراء الطب الشخصي (Personalized medicine)، حيث يتم تصميم العلاجات لتناسب احتياجات المرضى الفردية.
كيف تعمل هذه الروبوتات؟
يتم إنشاء الروبوتات الصغيرة عن طريق ربط الجسيمات النانوية المملوءة بالأدوية بسطح خلايا الطحالب الخضراء. الطحالب، التي تزود الروبوتات الصغيرة بحركتها، تمكن الجسيمات النانوية من السباحة بكفاءة في الرئتين وتوصيل حمولتها العلاجية إلى الأورام. تعتبر هذه الحركة حاسمة، لأنها تسمح للجسيمات النانوية بالوصول إلى أنسجة الرئة العميقة والبقاء هناك لفترة كافية لممارسة تأثيراتها المضادة للورم.
ولكن كيف تتمكن الجسيمات النانوية من التهرب من الجهاز المناعي، الذي قد يهاجمها بصفتها جسم غريب؟ الجواب يكمن في تمويه ذكي. حيث يتم تغليف الجسيمات النانوية بأغشية خلايا الدم الحمراء، والتي تعمل بمثابة “تمويه” يجعلها غير قابلة للتمييز عن خلايا الجسم نفسها. يسمح هذا التخفي للجسيمات النانوية بالتنكر على شكل خلايا دم حمراء، وتجنب اكتشافها من قبل الجهاز المناعي والبقاء في الرئتين لفترة كافية لإيصال حمولتها.
جمال هذا النظام يكمن في سلامته وكفاءته. المواد المستخدمة في صنع الجسيمات النانوية متوافقة حيويًا، والطحالب الخضراء المستخدمة معترف بها على أنها آمنة للاستخدام من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
مستقبل العلاج الباهر
التأثير المحتمل لهذه التكنولوجيا هائل. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن سرطان الرئة هو السبب الرئيسي لوفيات السرطان في جميع أنحاء العالم، وهو ما يمثل ما يقرب من 1.8 مليون حالة وفاة سنويا. إذا نجح العلاج بالروبوتات الدقيقة، فيمكن أن يوفر أملًا جديدًا لملايين الأشخاص الذين يحاربون هذا المرض المدمر.
وبينما يمضي الباحثون قدمًا في عملهم، سيستمرون في تحسين تصميم الروبوتات الصغيرة ووظائفها، وتحسين أدائها وسلامتها للاستخدام البشري. إنها رحلة معقدة ومليئة بالتحديات، ولكن المكافأة المحتملة تستحق الجهد المبذول. إن مستقبل علاج سرطان الرئة يتشكل، ويتم دفعه بقوة الروبوتات الدقيقة.
Swimming microrobots deliver cancer-fighting drugs to metastatic lung tumors in mice / science daily
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :