بيئة

العلماء يدعون إلى تحديث عملية صنع القرار البيئي بما يأخذ حقوق الإنسان في الاعتبار

دعا علماء من جامعة بليموث وجامعة ستراثكلايد إلى اخذ حقوق الإنسان في الاعتبار في عملية صنع القرار البيئي. وتأتي هذه الدعوة إلى العمل في الوقت الذي يرى فيه الباحثون أن حماية التنوع البيولوجي على كوكب الأرض يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحماية رفاهية الإنسان.

في تعليق نشر في مجلة (npj Ocean Sustainability)، سلطت مجموعة متعددة التخصصات من الباحثين الضوء على أن التطورات الأخيرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان تتطلب من الحكومات أن تأخذ في الاعتبار الروابط بين الإنسان والطبيعة عند اتخاذ القرارات التي قد تؤثر على البيئة. ويرى المؤلفون أن هذا ينبغي أن يدفع إلى إعادة التفكير في كيفية اتخاذ القرارات البيئية، مع التركيز على تقييمات الضرر المتوقع.

ذكرت الدكتورة هولي ناينر، المؤلفة الرئيسية، أن عدم اليقين في الفهم ونقص الأدلة الرسمية في اعتماد الناس على مناطق معينة لا ينبغي أن يستبعد هذه الروابط في عملية صنع القرار. وأضاف الدكتور سيان ريس، كبير المؤلفين، أن فقدان التنوع البيولوجي يجب اعتباره قضية من قضايا حقوق الإنسان، ويجب أن تتماشى عملية صنع القرار البيئي مع التقدم في القانون الدولي لحقوق الإنسان.

ومن شأن هذا النهج الجديد أن يمثل تطوراً هاماً في عملية صنع القرار البيئي الحالية، والتي تقيدها حالياً الحاجة الملحوظة إلى اليقين الكمي (quantified certainty) في تقييم الأثر. ومن خلال دمج قانون حقوق الإنسان في القرارات البيئية، يهدف الباحثون إلى دعم اتخاذ قرارات عادلة وشاملة من أجل محيط صحي للناس والكوكب.

الرابطة غير القابلة للكسر بين البشر والطبيعة

العلاقة بين البشر والطبيعة هي علاقة تم نسجها بشكل معقد منذ فجر التاريخ. ويعتمد وجودنا في حد ذاته على نظافة ورفاهية البيئة، ومع ذلك، فهو جانب غالبًا ما يتم التغاضي عنه في عمليات صنع القرار لدينا. الحقيقة هي أن البشر ليسوا منفصلين عن الطبيعة؛ نحن جزء منها. إن أفعالنا لها تأثير مضاعف على النظم البيئية التي تدعمنا، وعلى العكس من ذلك، فإن صحة هذه النظم البيئية لها تأثير مباشر على رفاهيتنا.

إن العالم الطبيعي يزودنا بالخدمات الأساسية مثل الهواء النظيف، والماء، والغذاء، في حين أننا بدورنا نتحمل مسؤولية حماية هذه النظم البيئية والحفاظ عليها. وهذا الترابط ليس مجرد مفهوم فلسفي؛ إنها حقيقة علمية. إن تدهور المواطن الطبيعية وفقدان التنوع البيولوجي لهما عواقب وخيمة على صحة الإنسان، تتراوح من انتشار الأمراض إلى تدهور الأمن الغذائي.

وفي سياق المحيط العميق، تبدو هذه الرابطة أكثر وضوحًا. حيث تنتج المحيطات ما يصل إلى 70% من الأكسجين الذي نتنفسه. إنها أيضًا كنز من التنوع البيولوجي، حيث يقدر أن 75% من جميع الأنواع البحرية تعتبر أعماق المحيطات موطنًا لها.

تاريخ من التغاضي عن العلاقة بين الإنسان والطبيعة

لقرون عديدة، نظر البشر إلى العالم الطبيعي باعتباره كيانًا منفصلًا عن وجودنا. وقد أدى هذا المنظور إلى اتخاذ قرارات بيئية تهمل شبكة العلاقات المعقدة بين البشر والطبيعة. ومع ذلك، فقد سلطت التطورات الأخيرة في القانون الدولي لحقوق الإنسان الضوء على ضرورة الاعتراف بالعلاقة التي لا تنفصل بين الإنسان والبيئة واحترامها.

تاريخيا اعتمد صناع السياسات على البيانات التجريبية لتوجيه اختياراتهم. ورغم أن هذا النهج ربما كان كافيا في الماضي، فإنه أدى إلى فهم ضيق للعلاقات المعقدة بين البشر والطبيعة. وكانت النتيجة إهمال العلاقة، حيث تم اتخاذ القرارات البيئية دون النظر في الضرر المحتمل على رفاهية الإنسان.

وتتجلى هذه الإغفالات بشكل خاص في سياق فقدان التنوع البيولوجي، حيث يُنظر إلى تدهور الأنواع والمواطن الطبيعية على أنه قضية قائمة بذاتها، وليس تهديدًا لحقوق الإنسان. ومع ذلك، كما يجادل مؤلفو المقالة، فإن فقدان التنوع البيولوجي ليس مجرد قضية بيئية، بل هو أحد الشواغل المتعلقة بحقوق الإنسان التي تتطلب تحولًا أساسيًا في نهجنا تجاه اتخاذ القرارات البيئية.

دمج حقوق الإنسان في القرارات البيئية

عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرارات البيئية، يرى الباحثون أن الأدلة المتاحة، بما في ذلك الروابط غير المؤكدة وغير المباشرة بين البشر والطبيعة، ينبغي دمجها في عملية صنع القرار. وهذا يعني اتخاذ نهج احترازي في التعامل مع القرارات البيئية، والاعتراف باحتمال وقوع الضرر واتخاذ الخطوات اللازمة للتخفيف منه، حتى عندما لا تكون المخاطر الدقيقة مفهومة بشكل كامل بعد.

فكر في الأمر على هذا النحو: لنقل أنك تتنقل في النظام البيئي المعقد للمحيطات، حيث تعد المواطن البيئية والتنوع البيولوجي في أعماق البحار أمرًا بالغ الأهمية لرفاهية الإنسان، ولكن الطبيعة الدقيقة لهذه الارتباطات لم يتم تحديدها بشكل كامل بعد. في الماضي، ربما كان صناع القرار ينتظرون المزيد من الأدلة الملموسة قبل اتخاذ أي إجراء. ولكن ماذا لو كان هذا الانتظار يعني تعريض النظم البيئية بأكملها، والأشخاص الذين يعتمدون عليها، للخطر؟

ومن خلال دمج قانون حقوق الإنسان في عملية صنع القرار البيئي، يأمل العلماء في إنشاء نهج أكثر شمولا واحترازيا لحماية الكوكب. وهذا يعني النظر في المجموعة الكاملة من الأدلة المتاحة، بما في ذلك المعرفة والثقافات التي تحتفظ بها المجتمعات المحلية، وطرق البحث الجديدة القائمة على مخاطر خدمة النظام البيئي والتي يمكن أن توفر تقييماً للاحتياط. إنه تحول جذري في النهج، لكنه يمكن أن يكون له آثار بعيدة المدى على كيفية حماية الكوكب وضمان رفاهية الإنسان.

Related Post

حقبة جديدة من صنع القرار الشامل من أجل مستقبل مستدام

إن المستقبل الذي يدعو إليه الباحثون هو مستقبل في متناول أيدينا. حيث تسترشد القرارات البيئية بمبادئ حقوق الإنسان، وتُسمع أصوات المجتمعات المحلية، ويصبح النهج الاحترازي هو القاعدة.

ومن خلال هذا النهج الجديد، يمكننا أن نضمن حماية النظم البيئية الحيوية لرفاهية الإنسان والحفاظ عليها للأجيال القادمة. يمكننا أن نخلق عالمًا حيث يتم تقدير وحماية أعماق المحيطات، التي كانت ذات يوم موردًا غامضًا وغير مستغل، لقيمتها الجوهرية، وليس فقط لفائدتها للبشر.

وسيكون تأثير هذا التحول في النهج بعيد المدى. وهذا يعني أن القرارات البيئية يتم اتخاذها مع وضع الصورة الكاملة في الاعتبار، مع الأخذ في الاعتبار ليس فقط الآثار البيئية ولكن أيضًا الآثار الاجتماعية والثقافية. وهذا يعني أن المجتمعات الأكثر عرضة للتدهور البيئي سيكون لها مقعد على الطاولة، وسيتم احترام حقوقها وحمايتها.

هذا مستقبل يستحق القتال من أجله، وهو مستقبل يبدأ بالاعتراف بالقيمة الجوهرية للحياة البشرية والعالم الطبيعي. ومن خلال وضع حقوق الإنسان في قلب عملية صنع القرار البيئي، يمكننا أن نخلق عالماً ليس مستداماً فحسب، بل وأيضاً عادلاً ومنصفاً ومزدهراً حقاً.

المصادر

Scientists call for an update in environmental decision making that takes human rights into account | science daily

Connecting ecosystem services research and human rights to revamp the application of the precautionary principle | npj Ocean Sustainability

أخبار علمية

Share
Published by
أخبار علمية

Recent Posts

بوت دردشة مدعوم بالذكاء الاصطناعي قد يضع حدًا لنظريات المؤامرة!

في السنوات الأخيرة، شهد العالم طفرة في نظريات المؤامرة، مع اقتناع الملايين من الناس بأن…

20 ساعة ago

استخدام الموجات فوق الصوتية لبناء أوعية دموية جديدة في الأنسجة الحية!

توصل الباحثون، بقيادة ديان داليكي ودينيس هوكينغ، إلى اكتشاف رائد يمكن أن يحدث ثورة في…

يومين ago

لماذا تركت القنبلة الذرية الملقاة على هيروشيما وناجازاكي ظلال الناس محفورة على الأرصفة؟

لقد تركت القنبلتان الذريتان المدمرتان على هيروشيما وناجازاكي في عام 1945 بصمة لا تمحى في…

يومين ago

كيف نظر أرسطو إلى الصداقة واعتبرها وسيلة لتحقيق الازدهار الإنساني والرفاهية؟

لقرون طويلة، تأمل الفلاسفة في أسرار الحياة الطيبة. ويعتقد أرسطو، على وجه الخصوص، أن الأصدقاء…

يومين ago

اكتشاف التأثير الإيجابي للإجهاد على الحيوانات المنوية!

توصل باحثون في مجمع أنشوتز الطبي بجامعة كولورادو إلى اكتشاف رائد يلقي الضوء على كيفية…

يومين ago

كيف قامت هاييتي كأول دولة سوداء في الأمريكيتين؟

استعمر الإسبان جزيرة هيسبانيول وهي أول أرض وطئها كرستوفر كولومبس في عام 1942م. ومن ثم…

يومين ago