تحدث رائد اللسانيات فرديناند دو سوسير في دروسه التي نشرت بعد وفاته، وكان ذلك في بداية القرن العشرين، عن ميلاد علم جديد في المستقبل سيدرس “حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية”، وهو علم السيميائيات. [1] فهل ظهر هذا العلم؟ وماذا يقصد بالعلامات؟
محتويات المقال :
السيميائيات والسيميولوجيا والسيميوطيقا.. هل تعني نفس الشيء؟
يستخدم الباحثون العرب عدة تسميات لهذا العلم، وهي السيميولوجيا Sémiologie، والسيميائيات Sémiotique، والسيميوطيقا Sémiotique. ويستخدمون هذه المصطلحات الثلاثة للدلالة على معنى واحد، وهو العلم الذي يدرس العلامات.
السيميائيات .. علم يطارد المعنى
السيميائيات هي علم يهتم بدراسة العلامات المتواجدة في الحياة الاجتماعية، ويمكن أن تكون العلامة لغوية منطوقة كالكلام ولغوية مكتوبة، أو أن تكون علامة بصرية كالصور.
وتهدف دراسة هذه العلامات إلى فهم “مظاهر السلوك الإنساني” [1] وتحليلها وتأويلها، ويشمل ذلك الطقوس الاجتماعية والفن والأدب والإشهار وكل ما له علاقة بالإنسان. لذلك نجد أن السيميائيات تتمتع بخلفيات معرفية متعددة تتضمن اللسانيات (مع دوسوسير) والمنطق (شارل ساندرس بيرس) والتحليل النفسي والأنثروبولوجيا وغير ذلك من المجالات.
لا تعد السيميائيات إذن علما يهتم بمجال واحد كما يمكن أن يهتم علم الاجتماع بالمجتمع، أو طب الجهاز الهضمي بالجهاز الهضمي، بل هي علم يحاول الوصول إلى المعنى، لذلك نجد السيميائيات في كل المجالات والاختصاصات التي تنتج معنى ما.
هكذا يمكننا الحديث عن سيمياء للأدب، وسيمياء للمسرح، وسيمياء للسينما، وسيمياء للإشهار … إلى غير ذلك.
ما هي العلامة؟
يمكن تقسيم العلامة في السيميائيات إلى قسمين: قسم يضم الأيقونة والرمز والإشارة، وقسم يضم العلامة الشمية والعلامة اللمسية والعلامة الذوقية؟
القسم الأول:
الأيقونة:
يعرف شارل ساندرس بيرس ـ من أهم رواد السيميائيات، وهو أمريكي استمد منطلقاته المعرفية من مجموعة مختلفة من العلوم ـ العلامة بأنها “التي تحمل علاقة مشابهة مع الشيء الذي تحيل إليه”. [2] ويعني بذلك أن الأيقون هو شيء يحمل بعض خصائص شيء آخر نسميه الممثل. ويمكن تويع ذلك من خلال صورة فوتوغرافية، فهذه الصورة تحمل بعض صفات الشخص الأصلي لكنها لا تحمل صفاته كلها، فهي ثنائية الأبعاد بخلافه. فالصورة أيقون لشخص الذي تم تصويره وليس أي شخص آخر.
الرمز:
يعتبر الرمز هو “الرابط بين العلامة ودلالتها”. [2] فالرمز يمتلك دلالة منحتها له الثقافة الخاصة بالجماعة، فارتباط الموت باللون الأبيض في المغرب يرجع إلى ثقافة المغاربة التي ترتدي فيها زوجة الميت اللون الأبيض لمدة معينة بعد وفاته. ولكن يمكن للون الأبيض أن يدل على شيء آخر في سياق ثقافي آخر. لذلك يعتر الرمز خاضعا لمبدأ الاعتباطية، إذ لا يوجد رابط منطقي وسببي بين اللون الأبيض والموت.
الإشارة:
تخضع الإشارة شأنها شأن الرمز إلى مبدأ الاعتباطية، لكونها تختلف باختلاف الثقافة. فالإشارة طريقة لتعويض الكلام، كأن تومئ لشخص ما بالقدو بدلا من أن تقول “تعال”. قد تكون هذه الإشارات عفوية وقد تكون مقننة كما هو الحال في النظام العسكري.
القسم الثاني:
العلامة الشمية التي تستعمل غالبا في الوصلات الإشهارية المتعلقة بالعطور، و”العلامة اللمسية التي تتميز بقدرتها التعبيرية” [2] وذلك ككتابة برايل للمكفوفين. والعلامة الذوقية التي تتجلى في انتقال الإنسان من أكل الطعام نيئا إلى طبخه بالنار فاستعمال الكهرباء في الطبخ. وهذا يظهر تطور الإنسان وتكون الثقافة، وبالتالي تكون العلامات وتطورها.
خاتمة
السيميائيات علم يهتم بالمعنى أيا كان مجاله، فهي تتبع المعنى أينما حل. فهي تفتح الأفق أمام الباحثين لفهم العالم وعلاقته بالإنسان، هذا الكائن الذي يعتمد على العلامات والرموز في كل حركة من حركاته.
المصادر
[1] السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، سعيد بنغراد.
[2] السيميائيات .. الأصل والمصطلح، ياسين الخلطي.
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :