السعودية تحارب التصحر وتريد زيادة مساحة أراضيها الخضراء. حيث تستضيف الرياض هذا الأسبوع مؤتمر الأمم المتحدة “COP16” بشأن الجفاف والتصحر، وهي موضوعات لها صدى عميق لدى المملكة.
وقد أعلن المسؤولون عن خطط طموحة لاستعادة 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة. وقد خَطَت البلاد بالفعل خطوات واسعة في مجال تكنولوجيا المناخ، وهو ما يمثل ما يقرب من 75 في المائة من استثمارات الشرق الأوسط في الشركات الناشئة في مجال تكنولوجيا المناخ في جميع أنحاء العالم. لكن على الرغم من هذه الجهود، يتهم المنتقدون المملكة بظاهرة الغسل الأخضر، ويسلطون الضوء على التحدي المتمثل في تحويل المشاريع الطموحة إلى حلول مناخية.
وتتجه استثمارات المملكة في التكنولوجيا الخضراء نحو الطاقة، حيث تم ضخ 363 مليون دولار في حلول الطاقة الصديقة للمناخ، أي ما يقرب من 10 أضعاف ما تم استثماره في الابتكارات المتعلقة بالغذاء والزراعة واستخدام الأراضي.
محتويات المقال :
ظاهرة الغسل الأخضر
يشير مصطلح ظاهرة الغسل الأخضر (Greenwashing) إلى الممارسات الخادعة التي تتبناها الشركات للترويج لمنتجاتها أو خدماتها باعتبارها صديقة للبيئة، في حين أنها في الواقع لا تترك أي أثر إيجابي على البيئة. وغالبًا ما ينطوي هذا التكتيك التسويقي المضلِّل على ادعاءات غامضة ومعلومات انتقائية وأكاذيب صريحة للاستفادة من طلب المستهلكين على المنتجات المستدامة. ولا تؤدي ظاهرة الغسل الأخضر إلى تضليل المستهلكين فحسب، بل تعوق أيضًا الجهود الحقيقية نحو الاستدامة البيئية من خلال تحويل الانتباه عن الحلول الحقيقية وتأخير العمل الهادف.
التصحر
التصحر هو قنبلة موقوتة تهدد وجود المملكة العربية السعودية. حيث تتوسع الصحاري الشاسعة في المملكة، والتي تغطي أكثر من 95% من أراضيها، بمعدل ينذر بالخطر. والحقيقة أن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن التصحر يؤثر على أكثر من 30% من مساحة اليابسة في العالم. كما أن منطقة الشرق الأوسط هي واحدة من أكثر المناطق عرضة للخطر.
إذن ما هو التصحر؟ ببساطة، إنها العملية التي تصبح بها الأراضي الخصبة شبيهة بالصحراء، غالبًا بسبب تغير المناخ أو الرعي الجائر أو إزالة الغابات. وفي المملكة العربية السعودية، تتفاقم المشكلة بسبب مناخها الجاف، ومواردها المائية المحدودة، والتوسع الحضري السريع.
إن عواقب التصحر بعيدة المدى. فهو لا يؤدي فقط إلى تدهور التربة، وانخفاض الإنتاج الزراعي، وفقدان التنوع البيولوجي، بل يؤدي أيضًا إلى تفاقم ندرة المياه، ويزيد من انعدام الأمن الغذائي، بل ويساهم في الاضطرابات الاجتماعية.
وفي السعودية، يؤدي التصحر إلى آثار خطيرة على اقتصادها وأمنها الغذائي ومستوطناتها البشرية. حيث يتعرض القطاع الزراعي في المملكة، الذي يمثل حوالي 2% من الناتج المحلي الإجمالي، لضغوط بالفعل بسبب ندرة المياه وتدهور التربة. ومع توقع أن يصل عدد سكانها إلى 39 مليون نسمة بحلول عام 2030، فإن الضغط على مواردها سوف يزداد حدة.
تحويل مياه الصرف الصحي إلى ماء نظيف
يجري تنفيذ مشروع ثوري في السعودية لتحويل مياه الصرف الصحي إلى مياه نظيفة. يعمل هذا النهج المبتكر على تسخير قوة الكائنات الحية الدقيقة لتقليل تكلفة الطاقة لمعالجة مياه الصرف الصحي.
وفي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، قام فريق بتطوير منشأة معالجة تعتمد على الكائنات الحية الدقيقة لتحويل الكربون إلى غاز الميثان. ويتم بعد ذلك جمع هذا الغاز واستخدامه لإنتاج الطاقة للمنشأة، مما يجعل عملية معالجة مياه الصرف الصحي محايدة للطاقة أو حتى إيجابية.
ولكن هذا ليس كل شيء، إذ يمكن استخدام المياه المفلترة الناتجة عن هذه العملية في زراعة الطحالب الدقيقة لإنتاج العلف للماشية أو لري النباتات والأشجار لمكافحة التصحر. وهذا يغير كل شيء بالنسبة لبلد يتمتع بموارد مائية محدودة للغاية.
تحويل الرمال إلى تربة
تتجه السعودية إلى حلول مبتكرة لمعالجة التحديات البيئية التي تواجهها. وكجزء من مبادرة الشرق الأوسط الخضراء، تهدف البلاد إلى زراعة 10 مليارات شجرة وإعادة تأهيل ملايين الهكتارات من الأراضي. ولتحقيق هذا الهدف الطموح، فإن إدارة المياه والتربة بكفاءة أمر بالغ الأهمية.
لقد طور العلماء في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تقنية رائدة لتحويل رمال الصحراء إلى تربة خصبة. ومن خلال الاستفادة من السماد المخصب بالكربون المشتق من روث الدجاج، وهو مورد متاح بسهولة في المملكة العربية السعودية، ابتكر الباحثون مادة يمكنها الاحتفاظ بالعناصر الغذائية والمياه، وتعزيز نمو الميكروبات الضرورية لحياة النبات. هذا النهج المبتكر لديه القدرة على إحداث ثورة في الزراعة في المنطقة، وتمكين زراعة المحاصيل في الأراضي القاحلة سابقًا.
هل السعودية تحارب التصحر بالفعل أم أنها ظاهرة الغسل الأخضر؟
رغم أن هذه الحلول المبتكرة تحمل وعداً هائلاً، فإن تنفيذها على نطاق واسع يتوقف على الاستثمار المالي الكبير والدعم السياسي القوي. ولإثبات فعاليتها على نطاق أوسع، هناك حاجة إلى تمويل واستثمار كبيرين من رأس المال الاستثماري. ومع ذلك، يظل تأمين مثل هذا التمويل يشكل تحدياً هائلاً لهذه الشركات الناشئة، على الرغم من أن بعضها تمكن من جذب المستثمرين من القطاع الخاص.
على الرغم من مبادراتها الخضراء الطموحة، تظل السعودية لاعباً رئيسياً في سوق النفط العالمية، وتستمر في كونها أكبر مصدر للنفط الخام في العالم. وبالإضافة أن السعودية تحارب التصحر، فهي تستثمر في تقنيات مثل احتجاز الكربون وإنتاج الهيدروجين كجزء من “اقتصاد الكربون الدائري”.
ومع ذلك، يزعم المنتقدون أن هذه الجهود مجرد تضليل، ومصممة لإدامة استثمارات الوقود الأحفوري. واتهم المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان السعودية باستخدام ادعاءات الاستدامة النبيلة لإخفاء اعتمادها المستمر على الوقود الأحفوري وتجاهل البيئة. ومع ذلك، تبرر الرياض سياساتها باعتبارها ضرورية لأمن الطاقة.
المصدر
Saudi Arabia bets on tech to make deserts bloom | phys.org
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :