طب

الخلايا الدهنية لديها ذاكرة تصعب الحفاظ على الوزن بعد خسارته!

لقد حيرت العلماء منذ فترة طويلة ظاهرة استعادة الوزن بعد فقدانه بشكل كبير. وقد سلطت دراسة حديثة نشرت في مجلة “Nature” الضوء على هذا اللغز، وكشفت أن الخلايا الدهنية في الجسم تحتفظ بـ “ذاكرة” للسمنة، مما يجعل الحفاظ على فقدان الوزن أمرًا صعبًا.

تنشأ هذه الذاكرة لأن تجربة السمنة تؤدي إلى تغييرات في ما فوق الجينوم (epigenome)، وهو مجموعة من العلامات الكيميائية التي يمكن إضافتها إلى الحمض النووي للخلايا أو إزالتها منها والبروتينات التي تساعد في زيادة نشاط الجينات أو خفضه. بالنسبة للخلايا الدهنية، يبدو أن التحول في نشاط الجينات يجعلها غير قادرة على أداء وظيفتها الطبيعية. يمكن أن يستمر هذا الخلل، فضلاً عن التغييرات في نشاط الجينات، لفترة طويلة بعد انخفاض الوزن إلى مستويات صحية.

كيف تؤثر السمنة على الجسم

عندما نأكل سعرات حرارية أكثر مما يحتاجه جسمنا، يتم تخزين الطاقة الزائدة على شكل دهون. قد يبدو هذا غير ضار في البداية، ولكن مع نمو الخلايا الدهنية وتكاثرها، فإنها تبدأ في إحداث الفوضى في عملية التمثيل الغذائي في الجسم. حيث تبدأ مقاومة الأنسولين، مما يجعل من الصعب على الجلوكوز دخول خلايانا، ويبدأ الجسم في تخزين المزيد من الدهون، مما يخلق حلقة مفرغة.

ومع تراكم الدهون، تلتهب أعضاء الجسم، مما يؤدي إلى أمراض مزمنة مثل مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، وحتى أنواع معينة من السرطان. كما أن الوزن الزائد يضغط على المفاصل، مما يؤدي إلى هشاشة العظام ومشاكل في الحركة. ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن السمنة يمكن أن تؤثر على وظائف المخ، مما يزيد من خطر الإصابة بالخرف والاكتئاب.

ذاكرة الخلايا الدهنية

ولكي نفهم لماذا يتراكم الوزن مرة أخرى بهذه السرعة بعد خسارته، قامت هينتي وزملاؤها بتحليل الأنسجة الدهنية من مجموعة من الأشخاص الذين يعانون من السمنة المفرطة، فضلاً عن مجموعة مراقبة من الأشخاص الذين لم يعانوا من السمنة قط. ووجدوا أن بعض الجينات كانت أكثر نشاطاً في الخلايا الدهنية لمجموعة السمنة مقارنة بخلايا الدهون لمجموعة المراقبة، في حين كانت جينات أخرى أقل نشاطاً.

وحتى جراحة إنقاص الوزن لم تغير هذا النمط. فبعد عامين من خضوع المشاركين المصابين بالسمنة لعمليات إنقاص الوزن، فقدوا كميات كبيرة من وزنهم، ولكن النشاط الجيني لخلاياهم الدهنية ظل يعرض النمط المرتبط بالسمنة. ووجد العلماء نتائج مماثلة في الفئران التي فقدت كميات كبيرة من الوزن.

في الخلايا الدهنية لدى البشر والفئران، تشارك الجينات التي يتم تنشيطها أثناء السمنة في تحفيز الالتهاب والتليف، وهو تكوين أنسجة صلبة تشبه الندبات. وتساعد الجينات التي يتم تعطيلها الخلايا الدهنية على العمل بشكل طبيعي. وقد تتبعت الأبحاث التي أجريت على الفئران هذه التحولات في نشاط الجينات إلى تغييرات في ما فوق الجينوم، الذي له تأثير قوي على مدى نشاط الجين، بما في ذلك ما إذا كان نشطًا على الإطلاق.

وقد اختبر العلماء مدى استمرارية هذه التغيرات من خلال إخضاع فئران بدينة لنظام غذائي. وبعد بضعة أشهر من استعادة الفئران لقوامها النحيف، استمرت التغيرات في ما فوق الجينوم، وكأن الخلايا “تذكرت” وجودها في جسم يعاني من السمنة.

مدة مجهولة

ليس من الواضح إلى متى يتذكر الجسم السمنة. قد تكون هناك فترة زمنية يتم فيها فقدان هذه الذكرى. لكننا لا نعرف. لفهم تأثيرات هذه الذكرى بشكل أفضل، درس الباحثون الخلايا الدهنية من الفئران التي فقدت وزنها بعد أن أصبحت بدينة. حيث امتصت هذه الخلايا المزيد من السكر والدهون مقارنة بالخلايا الدهنية من الفئران التي لم تكن بدينة أبدًا. كما اكتسبت الفئران التي كانت بدينة وزنًا أسرع على نظام غذائي عالي الدهون مقارنة بالفئران الأخرى.

Related Post

تأثير هذا الاكتشاف على فقدان الوزن

إن هذا الاكتشاف يفتح الأبواب أمام فهم أعمق للعلاقة المعقدة بين فقدان الوزن والحفاظ عليه. هذه المعرفة يمكن أن تغير كل شيء بالنسبة للأفراد الذين يكافحون من أجل التخلص من الوزن الزائد والحفاظ عليه. ومن خلال الاعتراف بأن الخلايا الدهنية في الجسم تحتفظ “بذاكرة” للسمنة، يمكن للباحثين والمتخصصين في الرعاية الصحية تطوير استراتيجيات أكثر فعالية للتحكم في الوزن على المدى الطويل.

أحد أهم الآثار المترتبة على هذا الاكتشاف هو الحاجة إلى الدعم والرعاية المستمرين للأفراد الذين يحاولون إنقاص الوزن. لا يقتصر الأمر على خفض السعرات الحرارية وممارسة المزيد من التمارين فحسب؛ يتعلق الأمر بفهم أن بيولوجيا الجسم تعمل ضدنا. يمكن أن يساعد هذا الإدراك في إزالة وصمة العار المحيطة بالسمنة واستعادة الوزن، مما يسمح للأفراد بالتعامل مع رحلة فقدان الوزن بعقلية أكثر تعاطفاً واستنارة.

علاوة على ذلك، يمكن لهذا الاكتشاف أن يمهد الطريق لتطوير برامج شخصية لإنقاص الوزن مصممة خصيصًا للملف الجيني الفريد للفرد. ومن خلال تحديد التغيرات الجينية المحددة المرتبطة بالسمنة، يمكن للباحثين تصميم تدخلات أكثر استهدافًا لمساعدة الأفراد على التغلب على ميولهم البيولوجية.

المصادر

Fat cells have a ‘memory’ of obesity — hinting at why it’s hard to keep weight off | nature

Adipose tissue retains an epigenetic memory of obesity after weight loss | nature

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
أخبار علمية

Share
Published by
أخبار علمية

Recent Posts

تجميد الضوء .. علماء نجحوا في تحويل الليزر إلى مادة فائقة الصلابة!

في عالم الكم، لم تعد قواعد الفيزياء الكلاسيكية قابلة للتطبيق. واحدة من أكثر الحالات الرائعة…

3 أسابيع ago

دراسة تقول أن الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفًا مع البشر من الأطباء النفسيين

أظهرت دراسة جديدة أن المرضى يجدون الذكاء الاصطناعي أكثر تعاطفاً وتفهماً من الأطباء النفسيين وخبراء…

3 أسابيع ago

حاسة التذوق عبر جهاز جديد يستخدم الواقع الافتراضي

باتت التجارب الرقمية أكثر عمقًا وانغماسًا مع دمج الحواس البشرية في البيئات الافتراضية. ويأتي نظام…

3 أسابيع ago

أسرار الحضارة البحرية القديمة المكتشفة في الفلبين

في اكتشاف رائد،  كشف باحثون من جامعة أتينيو دي مانيلا عن أدلة على وجود شكل…

شهر واحد ago

كيف شكّلت المفاصل المرنة في الأسماك القديمة حركة البشر؟

درس العلماء الأسماك الغضروفية الحديثة، مثل أسماك القرش وأسماك الزلاجات. وقارنوها بنظيراتها عديمة الفك، مثل…

شهر واحد ago

لغز الدماغ الزجاجي: كيف حوّل بركان فيزوف دماغًا بشريًا إلى زجاج

تحول دماغ شاب إلى زجاج منذ ما يقرب من 2000 عام، وهي ظاهرة يعتقد العلماء…

شهر واحد ago