علم نفس

الحدس وتفسير حدوثه في عمليات التفكير وآليات المعالجة

الحدس وتفسير حدوثه في عمليات التفكير وآليات المعالجة

ينطوي الحدس على عمليات غير واعية وسريعة وعاطفية ويتم تفسير حدوثه على أنه نتيجة لعملية تفكير سريع غير متعمد.

ما هو الحدس؟

حسب قاموس جمعية علم النفس الأمريكية (APA)، يعرف الحدس على أنه البصيرة أو الإحساس المباشر بالفهم، على نقيض التفكير المنطقي أو الواعي [1]. كما يعرف قاموس أوكسفورد هذه الكلمة على أنها الفهم المباشر دون تدخل المنطق. [2]

لطالما أثار مفهوم الحدس – أي قدرةُ الأشخاص على اتخاذ قراراتٍ ناجحةٍ دون التفكير التحليلي المتعمد – فضول الفلاسفة والعلماء منذ أيام الإغريق القدماء على أقل تقدير. ولكنهم لم يستطيعوا إيجاد دليل قابل للقياس على حقيقة وجود الحدس. [3]

تفسير حدوث الحدس في علم النفس

حالياً، يشكل الحدس وتفسير حدوثه موضوعاً شائعاً في علم النفس. وعلى الرغم من قبول هذه الفكرة بين كل من علماء النفس الأشخاص العاديين على حد سواء، يفتقد العلماء اختباراً موثوقاً يستطيعون من خلاله جمع بيانات موضوعية عن الحدس، أو حتى إثبات وجوده [4].

يعزو علم النفس الحدس إلى القدرة على مطابقة الأنماط. إذ يقوم العقل بالتفتيش في التجارب المختلفة المخزّنة في الذاكرة طويلة الأمد، بحثاً عن مواقف مشابهة، ويُصدر أحكاماً لحظية بناءً عليها [5].

ولكن ما هي آلية العمل التي تؤدي بالنتيجة إلى إصدار هذه الأحكام؟

كيف يفسر العلم الحدس؟

وفقاً للباحث Ben Newell من جامعة نيو ساوث ويلز في أستراليا (UNSW)، لا يمثل الحدس عملية سحرية تأتي الإجابات فيها إلى ذهن الإنسان من العدم. بل على العكس من ذلك، تنتج القرارات الحدسية في أغلب الأحيان عن عمليات تفكير مكثفة ومستفيضة. ولكن تختلف عملية التفكير في اتخاذ القرارات الحدسية عن عملية التفكير المدروسة [6].

نظرية المعالجة المزدوجة

يعود تفسير هذا إلى نظرية المعالجة المزدوجة (dual process theory) التي تقسّم العمليات الذهنية إلى فئتين وفقاً لطريقة عملها: إما تلقائية أو مضبوطة [7]. يتصف النمط التلقائي بكونه سريعاً وترابطياً وعاطفياً، في حين يتميز النوع المضبوط بالبطء والتروي بالتفكير[8]. ويكمن الفرق بين هاتين العمليتين المختلفتين في مدى ملاحظتنا لخطوات الإدراك الوسيطة التي تحدث أثناء العملية [6].

في التفكير المدروس والمتعمّد، تنتج سلسلةٌ من الأفكار ومجموعةٌ من المعلومات تمثل الخطوات الوسيطة في وصولنا إلى النتيجة. ولكن تنعدم هذه الخطوات في عملية التفكير الحدسي، وتتم الاستجابة -سواء عن طريق اتخاذ قرار ما أو القيام بفعل معين- دون بذل جهد كبير [6]. ويتضمن الحدس تجميع حقائق ومفاهيم وتجارب وأفكار ومشاعر غير مترابطة بشكل كبير. كما أنها غزيرة ومتفرقة لدرجة يصعب معها معالجتها بشكل متعمد أو منطقي. وهذه العملية تتم بشكل لا واعي أو شبه واعي، أي أن طرق عملها مخفية للعقل الواعي. لذلك يبدو الحدس وكأنه ينشأ من العدم، ولا يمكن تفسيره فوراً أو بسهولة [9].

Related Post

بحث جامعة نيو ساوث ويلز في الحدس وآثار حدوثه

بالعودة إلى جامعة نيو ساوث ويلز، قام مجموعة من الباحثين بابتكار تقنية جديدة تفسر كيف يمكن للحدس غير الواعي أن يقودنا في اتخاذ القرارات [3].

في هذه التجربة، تم تقديم معلومات ضمنية عاطفية لمجموعة من الأشخاص أثناء قيامهم باتخاذ قرارات حسية وواعية بالكامل. وتُظهر البيانات السلوكية والنفسية التي تم جمعها في البحث أنه يمكن للمعلومات العاطفية غير الواعية أن تعزز الدقة والثقة في اتخاذ القرار المتزامن معها، وتسرّع أوقات الاستجابة. وكانت نتائج البحث داعمة لفكرة أنه يمكن للمشاعر غير الواعية أن تحرف السلوك غير العاطفي المتزامن معها، وهذا ما يدعى بعملية الحدس [10].

ولكن هل يعني هذا أنه يمكننا الوثوق بحدسنا ثقة عمياء؟

عندما يحدث الحدس، هل يصيب دائماً؟

طبعاً لا!

في بعض الحالات أو المواقف الجديدة والمجردة والتي لا ترتبط بتجارب سابقة، من الضروري الاعتماد على التفكير المنطقي [2]. إذ يمكن للحدس أو نمط التفكير السريع غير المتعمد أن يوقعنا في الخطأ. ولكن وجد الباحثون في جامعة نيو ساوث ويلز في تجربتهم أن الدقة في اتخاذ القرارات بالتزامن مع المعلومات العاطفية غير الواعية كانت قد تعززت مع الوقت.

مما يعني أنه من الممكن تحسين الحدس عن طريق التمرين [10]. ولكن اتفق الجميع على أنه ينبغي علينا توخي الحذر عند الاعتماد على حدسنا. إذ توجد مواقف معينة تتطلب الاتكال على التفكير المتعمد والمنطقي.

اقرأ أيضاً: ما هي الـ ديجا فو-Déjà vu؟ وما تفسيراتها الطبية؟

المصادر

  1. قاموس جمعية علم النفس الأمريكية
  2. Intuition and Reasoning: A Dual-Process Perspective
  3. جمعية علم النفس الأمريكية
  4. Live Science
  5. Psychology Today
  6. Explainer: what is intuition?
  7. Gawronski, Bertram, and Laura A. Creighton. The Oxford Handbook of Social Cognition. Oxford University Press, 2013.
  8. Dual Process Theory of Thought and Default Mode Network: A Possible Neural Foundation of Fast Thinking
  9. The Psychology and Philosophy of Intuition
  10. Measuring Intuition: Nonconscious Emotional Information Boosts Decision Accuracy and Confidence

Author: Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]
Watfa Alassafeen

مترجمة من سوريا. أحب القراءة والكتابة.

Share
Published by
Watfa Alassafeen

Recent Posts

لغز “أطلانطس اليابان”: هل “هرم يوناجوني” الغارق يعيد كتابة تاريخ الحضارات الإنسانية؟

هرم يوناجوني": الحقيقة الكاملة للغز الياباني الذي يتحدى الأهرامات منذ اكتشافه صدفة عام 1986، تحوّل…

6 أيام ago

جيمس واتسون.. رحيل العبقري الجدلي الذي غيّر وجه البيولوجيا للأبد

وداعاً "أيقونة الحمض النووي": جيمس واتسون ببالغ الحزن والتقدير، أعلن العالم عن رحيل أحد أبرز…

أسبوع واحد ago

“عاشق العلم بروح التصوف”.. رحيل الدكتور أحمد شوقي وإرث “كراسات علمية” الخالد

ببالغ الحزن والأسى، ودعت الأوساط الأكاديمية والعلمية في مصر والعالم العربي قامة من قامات الوراثة…

أسبوع واحد ago

نظرية “إعادة التدوير الحيوي” تكتسح “داروين” وتُعيد تعريف الحياة

الحياة منظومة تتجدد ذاتياً لا آلة عشوائية! في إنجاز تاريخي هزّ أركان علم الأحياء التطوري،…

أسبوع واحد ago

مملكة أورارتو القديمة: موقعها، تاريخها وأهم آثارها

تعد مملكة أورارتو واحدة من أبرز الحضارات الحديدية في الشرق القديم، إذ نشأت في القرن…

أسبوعين ago

المتحف المصري الكبير رمز لاستمرارية البصمة الجينومية للحضارة المصرية

لطالما مثلت مصر، بموقعها الاستراتيجي عند ملتقى قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، نقطة محورية للتفاعل البشري…

أسبوعين ago