هل زرتَ مدينة دمشق من قبل؟ وهل تجوّلت في شوارع المدينة القديمة ناظرًا إلى جدران المدينة العتيقة من حولك؟ إن زيارة دمشق لا تكتمل إلا بزيارة الجامع الأموي، فلنتعرّف معًا على أبرز معالم هذه المدينة وأحد أشهر الجوامع في العالم الإسلامي، وحتى في العالم أجمع.
محتويات المقال :
بدايات مبكرة
شغلت البقعة التي يشغلها الجامع الأموي مبانٍ دينية وكانت مكانًا للعبادة لأكثر من 3000 عام. حيث قام الملك الآرامي «حزائيل – Hazael» ببناء معبد للإله حدد رومون إله المطر والرعد [1] حوالي القرن التاسع قبل الميلاد، [2] وأصبح بذلك أحد أعظم المعابد السورية إلى أن تم هدمه من قبل الملك الآشوري «تغلث فلاسر – Tiglet Pileser» عام 732 قبل الميلاد. [1]
حوله السلوقيون بعد ذلك والبطالمة من بعدهم إلى معبد هلنستي لـ «زيوس – Zeus» (النسخة الإغريقية للإله حدد).[2] ونتيجةً للغزو الروماني لسورية عام 64 قبل الميلاد بقيادة «بومبيوس – Pompieus»، حُول المعبد لعبادة الإله الروماني «جوبيتير – Jupiter» (النسخة الرومانية من حدد وزيوس).[1] ولاحقا، أثناء انتشار المسيحية في أوروبا قام الإمبراطور الروماني «ثيودوسيوس الأول – Theodosius I» بتحويل المعبد إلى كنيسة وكرّسها لـ «القديس يوحنا المعمدان – St. John the Baptist» والتي أكمل بناءها ابنه [1]«أركاديوس – Arcadius».
من كنيسة إلى جامع
أصبحت دمشق مدينة إسلامية عام 635م، وخلال الاثنين والسبعين عامًا التالية قام سكان المدينة من مسلمين ومسيحيين باستخدام المبنى كمكان للعبادة بشكل مشترك، جاعلين منه كنيسةً وجامعًا في الوقت نفسه.[1] حيث قام المسلمون بالصلاة في القسم الشرقي من المبنى إلى أن وصل الخليفة الأموي الوليد الأول الذي قرر إنشاء جامع مستقل من أجل استيعاب الأعداد المتزايدة للمسلمين.[3]
بعد مفاوضات طويلة مع مسيحيي دمشق، اشترى الوليد الموقع وبدأت عملية البناء.[3] استمر بناؤه من العام 705م حتى عام 714م. وقد شكّل العمّال الأقباط والإغريق والهنود والفرس والمغاربة معظم العمال الذين بلغ عددهم 12000 شخص.[4]
مسقط الجامع
بُني مسقط الجامع بشكل مستطيل بأبعاد 157×100 م. وهو يتألف من قسمين رئيسيين: حرم وصحن. حيث تشكل الباحة الخارجية التي يطلق عليها اسم الصحن نصف مساحة المبنى تقريبًا بأبعاد 122.5×50م، ويحاط بأروقة مؤلفة من أقواس حدويّة الشكل محمولة على أعمدة. ويحتوي الصحن على ثلاثة منشآت مضلعة محمولة على أعمدة وتعلوها قباب [3] سنذكرها لاحقًا.
أما قاعة الصلاة التي تسمى الحرَم، فتتألف من ثلاثة مجازات مسقوفة بأسقف جملونية.[1] يقطعها عرضيًا مجاز قاطع تعلوه قبة،[5] وتزين واجهته الرئيسية التي تعتبر المدخل الرئيسي لقاعة الصلاة بالفسيفساء.[6] كما يحتوي الجامع من الداخل بالقرب من المجاز القاطع على ضريح النبي يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان الذي كُرِّست له الكنيسة سابقًا). وللجامع أربعة أبواب هي: باب الكلاسة في الشمال، باب جيرون في الشرق، باب البريد في الغرب، وباب الزيادة في الجنوب.[4]
أبرز التعديلات والتغييرات التي طرأت على الجامع الأموي
تعرّض الجامع منذ بنائه إلى تغييرات وتعديلات وأعمال ترميم عديدة كان أبرزها: [3]
- قام الوليد عام 715م ببناء المقصورة التي تحتوي على المحراب والمنبر.
- بنى المهدي الخزنة (بيت المال) عام 778 م.
- حصل أول حريق في الجامع بين عامي 1068 و 1069م، والذي التهم معظم الجامع باستثناء الجدران. وتم ترميمه لاحقًا من قبل القائد السلجوقي تتش بن ألب ووزيره مالك شاه بين عامي 1082 و1083م.
- دمر حريقٌ ثانٍ عام 1166م البوابة الشرقية للجامع (باب جيرون).
- التهم حريقٌ آخر المئذنة الشمالية (مئذنة العروس) عام 1174م.
- دمر زلزال عدة أجزاء من المبنى عام 1202م.
- تمت إعادة إنشاء أرضية الصحن عام 1206م.
- تمت تغطية أرضية الحرم بالرخام عام 1214م.
- رممت القبة عام 1216م.
- تضررت المئذنة الشرقية (مئذنة عيسى) عام 1247م بسبب حريق ورُممت بعد عامين.
- أُعيد بناء الجدار الغربي من الحرم وتم تزيينه بالفسيفساء بين عامي 1326 و 1328م.
- اجتيح الجامع عام 1401م من قبل المغول بقيادة تيمورلنك وتم تحويله إلى ثكنة عسكرية.
- التهم حريق المئذنة الغربية (مئذنة قايتباي) بالإضافة إلى باب الزيادة وباب البريد عام 1479م.
- أُعيد بناء مئذنة عيسى في القرن 17م.
- دمّر حريق معظم المبنى وخاصّة قاعة الصلاة عام 1893م، ورُمم وأعيد إلى مجده السابق. وشمل ذلك استبدال معظم الأعمدة والقبة بين عامي 1904 و1910. [3]
قباب الجامع الأموي
يحتوي الجامع الأموي على 5 قباب في المجمل. وهي:
قبة النسر
وهي موجودة أعلى قاعة الصلاة فوق المجاز القاطع، تعد أكبر القباب الخمس وتطل على مدينة دمشق القديمة.
استبدلت القبة الأصلية المصنوعة من الخشب بأخرى مبنية بالحجارة بعد حريق عام 1893م، ويطلق عليها قبة النسر لأنها تشبّه بالنسر حيث تشبّه القبة برأسه بينما يُشبّه القسمان الشرقي والغربي من الحرم بالجناحين.
تعلو القبة رقبة مثمنة الشكل تحتوي على نافذتين يعلو كل منهما قوس في كل من جوانبها الثمانية.[7]
قبة الوضوء
تم بناؤها خلال الفترة العباسية، لكن المنشأة الحالية تعود إلى الفترة العثمانية. حيث تمت إعادة بنائها بأوامر من عثمان باشا الكرجي والي دمشق بعد أن تضررت بشكل كبير بعد زلزال عام 1759م، وهي توجد في منتصف الصحن أمام الواجهة الرئيسية للحرم.[7]
قبة الساعات
أمر الفضل بن صالح بن علي ببنائها، الحاكم العباسي على دمشق وتمت تسميتها باسمها بعد أن نقل العثمانيون ساعة المسجد إليها.
تعلو القبة قاعدة مثمنة مرفوعة على ثمانية أعمدة يعلو كل منها تاج مصنوع من الرخام. [7]
وتقع في القسم الشرقي من الصحن.
قبة الخزنة
أو قبة بيت المال، والتي استخدمت لحفظ أموال الجامع (بيت مال المسلمين) والتي بنيت أيضًا بأمر من الفضل بن صالح بن علي.[7]
وتوجد في القسم الغربي من الصحن.
قبة ضريح النبي يحيى عليه السلام
قبة صغيرة تعلو مقام النبي يحيى عليه السلام (يوحنا المعمدان) وهي موجودة داخل الحرم.
مآذن الجامع الأموي
المئذنة الشمالية (مئذنة العروس)
تم بناؤها في العهد الأموي وتعتبر أولى المآذن في الإسلام.[8] إن القسم السفلي منها لا يزال محافظًا على شكله الأصلي بينما تم بناء القسم الأوسط في الفترة الأيوبية بعد حريق عام 1174م. وتحتوي في داخلها على نسخة تعود للقرن 18م من الساعة الشمسية لإبن الشاطر التي تعود للقرن 14م. [9]
المئذنة الشرقية (مئذنة عيسى)
وهي أعلى مآذن الجامع الأموي بارتفاع 77م. تتميز بجسم ذي مسقط مربع الشكل يعلوه برج مثمن الشكل يعلوه هلال.
وترجع بعض المصادر بناء المئذنة للعباسيين في القرن التاسع الميلادي، بينما ترجع مصادر أخرى البناء الأصلي للأمويين. ويعود بناء الجسم الحالي للمئذنة إلى الأيوبيين في عام 1247م، لكن بناء القسم العلوي (البرج المثمن) يعود للفترة العثمانية.[10]
المئذنة الغربية (مئذنة قايتباي)
بناها السلطان المملوكي قايتباي عام 1488م. وتظهر المئذنة تأثرًا كبيرًا بالعمارة الإسلامية المصرية التي تعود للفترة المملوكية.
تبدو المئذنة ذات مسقط مثمن الشكل، بُنيت على شكل أقسام متراجعة ذات شرفاتٍ ثلاث.[10]
ويعتقد أن كلًّا من مئذنتي عيسى وقايتباي تم بناؤهما على أساس من أبراج رومانية قديمة (تيمينوس)، لكن يجد بعض الباحثين الأمر غير مقنع نظرًا لغياب أبراج الزاويّة في معابد رومانية سابقة أخرى.
يعد الجامع الأموي دليلًا على التأثير المتبادل بين الحضارات، وعلى تأثر العمارة الإسلامية بأنماط أخرى من العمارة. سواء ظهر ذلك في الزخارف الفسيفسائية بيزنطية المنشأ، أو المسقط مستطيل الشكل والذي كان يعتبر حالة فريدة من نوعها. وبذلك يظهر تأثر مختلف الحضارات والثقافات ببعضها وتأثير ذلك بشكل واضح على العمارة والفنون.
المصادر
1- Umayyad Mosque (Damascus) – 3D virtual tour
2- The Great Mosque of Damascus – Smarthistory.org
3- The Great Umayyad Mosque – Muslimheritage.com
4- Umayyad Mosque – Madainproject.com
5- Great Mosque of Damascus – Britannica.com
6- Umayyad Mosque in Damascus – thebyzantinelegacy.com
7- Domes of the Umayyad Mosque – Madainproject.com
8- The Origin and History of the Minaret – Jstor.com
9- Minaret of the Bride – Madainproject.com
10- Minarets of the Umayyad Mosque – Madainproject.com
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :