تبدأ التعديلات فوق الجينية من المرحلة الجنينية في الرحم وتستمر بعدها في مختلف مراحل الحياة، متأثرة بالعوامل البيئية والسلوكية والتغذوية للفرد. وتعد “مثيلة” الحمض النووي أحد أهم الآليات التي تُستخدم على المستوى فوق الجيني. فيتحقق بذلك التفاعل بين البيئة المحيطة والمادة الوراثية لدى الإنسان. فما هي هذه التعديلات؟ وما أهم العوامل المشاركة في إحداثها؟
محتويات المقال :
تبدأ التغيرات فوق الجينية في المرحلة الجنينية قبل الولادة. فجميع الخلايا لها نفس الحمض النووي DNA ولكنها تختلف عن بعضها البعض بالصفات الشكلية والوظيفية. يحدث ذلك التباين عبر الآليات فوق الجينية في الخلية التي تحدد الطريقة التي ستعمل بها الخلية ووظائفها أثناء مراحل نمو الإنسان وتطوره. كأن تتحول إلى خلية عصبية أو جلدية أو قلبية.
على سبيل المثال: تحوي كل من الخلية العضلية والعصبية نفس الحمض النووي ولكنهما تعملان بشكل مختلف. فالخلية العصبية تنقل المعلومات للخلايا الأخرى في الجسم، بينما للخلية العضلية بنية تساعد في الحركة. تسمح الآليات فوق الجينية للخلية العضلية بتفعيل الجينات التي تصنّع البروتينات الضرورية لعملها، وتعطيل الجينات المساهمة في عمل الخلية العصبية أو أي نوع آخر غير مفيد من الخلايا.[1]
تتغير التعبيرات فوق الجينية خلال الحياة ما بين الولادة والطفولة والبلوغ. على سبيل المثال: قيس معدل مثيلة ال DNA في ملايين المواقع في جينات طفل حديث الولادة، ومقارنتها بجينات شاب في السادسة والعشرين من عمره، ثم مقارنتها بجينات رجل معمّر بعمر 103 سنوات. وتبين أن معدل مثيلة ال DNA يتناقص مع التقدم في العمر. فللمعمّر أقل معدل مثيلة، بينما يملك الطفل حديث الولادة معدل أعلى، ويقع الشاب ذو الستة وعشرين عاماً بينهما. [1]
ليست كل التغيرات فوق الجينية أو الإبيجينية دائمة، فبعض هذه التعديلات يمكن أن تُضاف أو تُحذف استجابةً للتغيرات البيئية أو السلوكية. على سبيل المثال: يُحدث التدخين تغيرات على المستوى فوق الجيني. مثلاً، يكون للمدخنين معدل مثيلة أقل على جين AHRR مقارنة بغير المدخنين. ويكون الاختلاف أكبر بكثير بالنسبة للمدخنين بكثرة أو لفترة زمنية طويلة. ولكن بعد الإقلاع عن التدخين يرتفع لديهم معدل المثيلة لجين AHRR. وفي النهاية، يمكن أن يصلوا لمعدل مثيلة قريب من معدل غير المدخنين. يمكن أن يحدث هذا التغيير في أقل من سنة لبعض الحالات، ولكنه يعتمد بشكل أساسي على الكمية التي اعتاد الشخص على تدخينها قبل إقلاعه والمدة التي قضاها مدخناً. [1]
على الرغم من أن التغيرات فوق الجينية أكثر ثباتاً لدى البالغين، إلا أنها تخضع لتعديلات متأثرةً بنمط الحياة والبيئة. فقد أصبح من الواضح أن التغيرات فوق الجينية لا تحدث فقط في الرحم، وإنما تطال كامل حياة الفرد، كما يمكن أن تكون قابلة للتغيير. ويوجد العديد من الأمثلة التي تبين كيفية تأثير تلك العوامل على التغيرات فوق الجينية للDNA وكيف تؤثر على حصيلة النتائج الصحية.
وقد أظهر النظام الغذائي دوراً في التعديلات فوق الجينية بطرائق متعددة. يكشف علم التغذية فوق الجيني Nuteriepigenomics كيف يعمل الغذاء والآليات فوق الجينية معاً في التأثير على الصحة. فقد وجدت إحدى الدراسات أن نظاماً غذائياً عالي الدهون ومنخفض الكربوهيدرات يمكن أن يباعد الكروماتين ويحسن القدرات العقلية عن طريق تثبيط HDAC. كما وجدت دراسات أخرى أن بعض المواد في الغذاء الذي نستهلكه يمكن أن تحمي من السرطان عن طريق تعديل علامات المثيلة على كوابح الجينات الورمية والمسرطنة. [2]
نحتاج للمحافظة على نمط مثيلة محدد لمجموعة معينة من المواد الغذائية في نظامنا الغذائي أن يتضمن مصدر لمجموعة الميثيل مثل المثيونين (حمض أميني) أو كولين (جزيئة معتمدة على الأمونيوم، غالباً ما يُجمع مع مركبات فيتامين (B أوحمض الفوليك: ويوجد في الخضروات الورقية والبقوليات والبرتقال). وعلى الرغم من أن حمض الفوليك لا يعطي بحد ذاته مجموعة الميثيل، إلا أنه يتفاعل مع المثيونين والكولين لضمان مثيلة الحمض النووي على كامل الجينوم. [3]
نستنتج مما سبق أن النظام الغذائي المعني بالتركيز على المستويات فوق الجينية يمكن أن يقود الفرد نحو النظام الغذائي الأمثل له.
تغير المؤثرات الخارجية كالضغط والنظام الغذائي والتدخين والتعرض للمبيدات الحشرية نمط مثيلة ال DNA. مما يمكن البيئة المحيطة من وضع بصمتها على المستوى فوق الجيني للفرد. [3]
حيث تعد البيئة عاملاً ذو تأثير قوي على التعبير فوق الجيني والحساسية للأمراض. وقد ازداد التركيز على التلوث بشكل كبير. حيث وجد العلماء أن تلوث الهواء يمكن أن يؤدي إلى تعديلات في مثيلة ال DNA. ورفع خطر الإصابة بالأمراض العصبية التنكسية. ومن إحدى الدراسات المثيرة للاهتمام دراسة حول إمكانية حماية فيتامين B من الأضرار فوق الجينية التي يسببها التلوث الهوائي، كما يمكن له أن يقاوم التأثيرات لبعض المواد الأخرى المضرة بالصحة. [2]
قد يُحدث الضغط النفسي الشديد في مراحل مبكرة من الحياة تعديلات على المستوى فوق الجيني، تساهم بارتفاع الاستجابة الفيزيولوجية للضغط بشكل مستمر. حيث يشكل ذلك التأثير آلية دفاعية ناتجة عن بيئة غير مستقرة في التجارب الحياتية الأولى. [4]
أظهرت بعض الدراسات وجود نمط فوق جيني متطابق نسبياً لدى التوائم المتطابقة حديثة الولادة، ولكن التوائم الأكبر عمراً لديها اختلاف لافت في نمط مثيلة ال DNA. بالإضافة لذلك فإن نمط المثيلة يتشكل خلال تطور الجنين في الرحم. أي أن البيئة والنظام الغذائي للمرأة الحامل يمكن أن يكون له تأثيرات خفية على أنماط المثيلة للجنين النامي. علاوة على ذلك فالخلايا الجنسية للجنين تتطور مع تطوره داخل الرحم، والتي تصبح فيما بعد بيوضاً أو نطافاً. مما يعني أن الظروف البيئية والتغذوية التي تخضع لها المرأة الحامل لا تؤثر على أولادها فقط وإنما يشمل التأثير أحفادها أيضاً. [3]
وبذلك نجد أن التغذية والعوامل البيئية المحيطة تؤثر بشكل كبير على المستوى فوق الجيني. وبالتالي تؤدي إلى تغيير ملحوظ في التعبير الجيني والوظائف الخلوية.
توصل باحثون إلى اكتشاف رائد يمكن أن يحدث ثورة في عالم التكنولوجيا القابلة للارتداء. لقد…
مع تصاعد التوترات حول نهر النيل، الذي يشكل شريان حياة بالغ الأهمية لملايين البشر في…
من المتوقع أن تشهد البشرية في السنوات القليلة المقبلة تطورات كبيرة في مجال الذكاء الاصطناعي.…
مقاومة المضادات الحيوية، التي تمثل تهديدًا صحيًا عالميًا متزايدًا، لها سبب مفاجئ وهي التربة. حيث…
في عالم الفلسفة الإسلامية، تم التغاضي عن مفهوم رائع لعدة قرون. لقد كانت الأحادية (monism)،…
من خلال إعادة التفكير في افتراضاتنا حول الحياة خارج الأرض، يتحدانا عالمان للنظر في إمكانية…