- الأدلة السلوكية على التطور
- الأدلة على التطور من علم الأجنة
- أدلة التطور: مشاهدة التطور في المعامل
- لماذا تسمى نظرية التطور وليس قانون التطور؟
- الأدلة التشريحية على التطور
- أدلة التطور: الأعضاء الضامرة
- أدلة التطور من السجل الأحفوري
- أدلة التطور: التطور السريع
- أدلة تطور الحيتانيات
- أدلة التطور من الجينوم
- التصميم الذكي في ميزان العلم
- ردود على نقد التطور
- اختبار مقدمة في نظرية التطور
يلقى التصميم الذكي تأييدًا واسعًا لدى معارضي التطور، حيث يلجأون إليه في تفسير تنوع الكائنات الحية. لكن هل تصمد هذه الفكرة أمام نظرية التطور حقًا؟ سرعان ما يظهر تفوق التطور في توفير تفاسير علمية حقيقية للطبيعة، واليوم سنضع التصميم الذكي في ميزان العلم للرد عليه وعلى الادعاءات غير العلمية التي يرددها مؤيديه.
ليس غرضنا من هذا المقال التعرض لمسألة خلق الحياة من قريب أو من بعيد، فالتطور لا يناقش فكرة الخلق. التطور غير معنِي أصلًا بتلك المسائل أو بتفسير نشأة الحياة، وإنما يسعى لتفسير التنوع الحيوي بعد أن نشأت الحياة أصلًا. إن كنت تبحث عما يعارضه التطور، فالتطور يعارض مفهوم الخلق الخاص لكل نوع بشكل منفصل عن الأنواع الأخرى بالتحديد. وقد وجب التنبيه لكي لا يُساء فهم مغزى المقال.
محتويات المقال :
هل فكرة التصميم الذكي علمية؟
يحاول الخلقيون إقحام التصميم الذكي كتفسير علمي للتنوع الحيوي. ولكن سرعان ما ينهار أمام معايير الفرضية العلمية، وهذا لأن من معايير الفرضية العلمية أن تكون:
1- تركز على العالم الطبيعي المادي. إذ يطرح مؤيدو التصميم الذكي الفرضية كتفسير للتنوع الحيوي الطبيعي، والصفات التشريحية والجزيئية المادية لدى بعض الكائنات.
2- تسعى لتفسير العالم الطبيعي. ويدعي الخلقيون أن التصميم الذكي يفسر العالم الطبيعي ولكنه سرعان ما يكون مختصرًا للغاية في تفسيراته. على سبيل المثال، يفسر التصميم الذكي وجود السوط البكتيري بأنه بفعل مصمم ما ذكي، ولكنه يفشل في توفير أي معلومات عن طبيعة هذا المصمم أو عن كيفية تصميمه للسوط البكتيري.
3- تستخدم أفكارًا قابلة للاختبار. إذ يجب على أي فرضية علمية تقديم توقعات وتنبؤات بشأن الملاحظات التي نرصدها في العالم الطبيعي لتأييد أو دحض الفرضية. ولكن نظرًا لأن التصميم الذكي لا يعطي تفسيرًا لكيفية التصميم أو ماهية المصمم، فإنه يفشل في توفير تنبؤات دقيقة من شأنها أن تساعدنا على معرفة مدى صحة هذه الفكرة. باختصار، التصميم الذكي غير قابل للاختبار. أي لا يمكن أن يضع مؤيدوه شروط يمكن حينها إسقاط فرضية التصميم الذكي، بالتالي تفقد فرضية التصميم الذكي ركن أساسي في بنائها العلمي.
4- تقوم على الأدلة
نظرًا لكون التصميم الذكي غير قابل للاختبار فهو يفشل في طرح أدلة لدعمه. ولكن داعمو هذا الطرح يعمدون إلى الاستدلال على طرحهم بتوجيه الانتقادات للتطور (مثل فكرة التعقيد غير القابل للاختزال)، والتي تم اختبارها ودحضها علميًا كما سنبيّن بعد قليل.
5- تشمل المجتمع العلمي
لا ينشر مروجو التصميم الذكي أبحاثهم في المجلات العلمية المرموقة. ويقاومون تعديل أفكارهم لمواءمة تدقيق المجتمع العلمي والبيانات العلمية، ولكن لهم مجتمعًا خاصًا بهم. وهو مجتمع مسخّر لدعم أفكارهم، وليس لمحاولة فهم وتفسير العالم الطبيعي.
6- تساهم في حركة البحث العلمي
حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال، لم يساهم التصميم الذكي في أي اكتشاف علمي جديد. بالطبع يستمر مؤيدو هذا الطرح في الكتابة عن هذه الفكرة ولكنه عمل غير إنتاجي، لا يساعد في تقديم أي تفسيرات دقيقة للعالم الطبيعي. [1] بالإضافة طبعًا إلى كون التصميم الذكي قائم على أكتاف أيدولوجيات دينية مبنية على تأويلات وفهم معين لبعض النصوص الدينية، مما يلقي به خارج سياج الفرضيات العلمية.
خلاصة ما سبق، إن فرضية التصميم الذكي هي أبعد ما تكون عن الفرضية العلمية. حتى لو كانت تسعى لتفسير العالم الطبيعي. وعلى الرغم من تقديم داعمي هذه الفرضية بعض الادعاءات قابلة للاختبار (وخاطئة) بشأن التطور، فالتصميم الذكي نفسه غير قابل للاختبار وفق المنهجية العلمية.
«التعقيد غير القابل للاختزال-Irreducible complexity»
التعقيد غير القابل للاختزال هو مصطلح صاغه «مايكل بيهي-Michael Behe» عام 1996 في كتابه «صندوق داروين الأسود-Darwin’s Black Box». وهو مصطلح يشير إلى الأنظمة الحيوية التي – من وجهة نظر بيهي – تعتمد في عملها على مجموعة من الأجزاء التي تعمل في تناسق مع بعضها البعض. ولا يمكن للنظام أن يعمل إذا تم استبعاد أحد هذه الأجزاء منه، وأن كل جزء في هذه الأنظمة لن يؤدي أي وظيفة بذاته. وبالتالي استحالة أن تكون هذه الأنظمة تطورت تدريجيًا، وإنما تحتاج إلى مصمم من وجهة نظر بيهي.
تكاد هذه الفكرة أن تصبح الدليل الوحيد القابل للمناقشة والتي يقدمها مروجو التصميم الذكي. وعلى الرغم من أن هذا الادعاء يعتمد على فجوات معرفية متوهَمة في العلم ليقحم فيها تفسيراته الأيديولوجية. وعلى الرغم من إثبات خطأ هذا الادعاء علميًا، إلا أنه ما زال يتردد على مسامعنا حتى اليوم. ولهذا رأينا أن نناقشه ونستعرض بعض أمثلتهم للرد عليها.
العين البشرية
يرى مروجو هذا الطرح أن العين البشرية معقدة للغاية، وتتكون من عدد من الأجزاء لا يمكن أن تعمل العين بدون إحداها. إذا فالعين لا يمكن أن تكون قد تطورت تدريجيا وإنما تحتاج إلى مصمم قام بخلقها بشكل مباشر. أليس كذلك؟
يبدو الطرح منطقيًا، لكنه غير صحيح على الإطلاق. فأبسط صور العيون في الطبيعة هي «بقع العين-Eyespots»، وهي عبارة عن بروتينات بسيطة حساسة للضوء. وتمتلك الكائنات البسيطة وحيدة الخلية مثل الإيوجلينا بقع العين، وعلى الرغم من عدم قابليتها لتكوين صورة، إلا أنها تساعد الإيوجلينا على رصد الضوء لتجنب مفترساتها.
أيضًا «كؤوس العين-Cup eyes» هي شكل أكثر تعقيدًا بقليل من بقع العين. تتكون كؤوس العين من سطح منحني من بقع العين، وهذا الانحناء يساعد على تحديد اتجاه الضوء. ويمكننا أن نجدها في «الديدان البلاناريانية-Planarian worms».
وباستمرار انحناء كcوس العين نرى ما يُعرف بPin eye، والتي تمتلكها كائنات مثل «النوتيلوس-Nautilus»، وهي تساعد على تكوين صورة مشوشة.
ومن ثم تأتي المرحلة الآتية وهي إضافة العدسة عند فتحة العين، والتي تمتلكها حيوانات كثيرة من ضمنها البشر، وتقوم هذه العدسة بتركيز أشعة الضوء عن طريق «الانكسار الضوئي-Light refraction».
هناك مقطع فيديو رائع لعالم الأحياء ريتشارد داوكينز يقوم فيه بشرح تطور العين يمكنك مشاهدته من هنا.
في الواقع، تطورت العيون في الكائنات الحية حوالي 40 مرة بشكل منفصل. وخلاصة القول في تطور العيون أنه حتى أبسط أجزاء العين البشرية موجودة في كائنات مختلفة وهي وظيفية وتوفر الرؤية لهذه الكائنات. يمكننا أن نرى كيف أن كائنات مختلفة تمتلك تراكيب مختلفة، وتفتقر إلى بعض أجزاء العين البشرية. ولكنها ما زالت تعمل (باختلاف درجة الجودة بالطبع)، وبهذا نرى أن العين ليست كما يدعي مؤيدو التصميم الذكي “غير قابلة للاختزال”. [2]
«الخنفساء القاذفة-Bombardier beetle»
الخنفساء القاذفة هي حشرة مميزة، وحظيت بهذا الاسم لكونها تقذف مزيجًا من الكيماويات ذات درجة الحرارة العالية تجاه مفترساتها. ويحدث هذا عن طريق عملية معروفة، تقوم فيها الخلايا بإنتاج «الهيدروكوينونات-Hydroquinones» و«بيروكسيد الهيدروجين-Hydrogen peroxide» (وبعض الكيماويات الأخرى حسب النوع). يقوم جسد الخنفساء بتجميع تلك الكيماويات في خزان، وينفتح هذا الخزان عن طريق صمام يتحكم فيه عضلات ويحجزها في غرفة تفاعل ذات جدران سميكة. جدران هذه الغرفة مبطنة بخلايا تفرز إنزيمات «الكاتالاز-Catalase»، و«البيروكسيداز-peroxidase». وتقوم الإنزيمات بتكسير بيروكسيد الهيدروجين بسرعة وتُسرع عملية أكسدة الهيدروكوينونات إلى “p-quinones”. وينتج عن هذه التفاعلات كميات من الأوكسجين وما يكفي من الحرارة لرفع درجة حرارة هذه الكيماويات إلى درجة الغليان. يتبخر حوالي 20% من الكيماويات، وتحت ضغط الغازات الناتجة عن هذه التفاعلات، ينغلق الصمام وتندفع الكيماويات الحارقة عن طريق فتحات في بطن الخنفساء.
ويرى مروجو التصميم الذكي أن هذه الآلية الدفاعية لا يمكن أن تكون قد تطورت بشكل تدريجي، وإنما يجب أن تكون أعصابها وعضلاتها والكيماويات التي تقذفها قد ظهرت في وقت واحد. لنرى صحة هذا الادعاء!
هذا الادعاء خاطئ أيضًا، إذ أننا أمام سيناريو لتطور هذه الآلية الدفاعية، خطوة بخطوة. لنرى:
1- تنتج خلايا بشرة الخنفساء الكوينونات، وهذا موجود في كثير من «المفصليات-Arthropods» الأخرى.
2- تستقر الكوينونات على بشرة الحشرة جاعلة منها سيئة المذاق بالنسبة لمفترساتها (تستخدم العديد من المفصليات الكوينونات كآلية دفاعية بالفعل).
3- تنشأ انبعاجات صغيرة في البشرة بين «الخلايا الخشبية-Scleritis»، وهذا يسمح للحشرة بإطلاق المزيد من الكوينونات إلى السطح عندما تهتز.
4- يزداد عمق الانبعاجات، وتتحرك العضلات قليلًا للسماح لها بإطلاق الكوينونات (لدى بعض أنواع النمل مثل هذه الغدد).
5- يزداد عمق انبعاجين (الخزانات الآن)، حتى تصبح بقية الانبعاجات غير مهمة بالمقارنة بهما.
6- تظهر كيماويات دفاعية أخرى بجانب الكوينونات في كثير من الحشرات التي تعيش اليوم لتساعدها ضد مفترساتها التي طورت مقاومة للكوينونات. إحدى هذه الكيماويات الدفاعية الجديدة هو الهيدروكوينون.
7- تكوّن الخلايا المنتجة للهيدروكوينون طبقات على الخزان لتنتج المزيد من الهيدروكوينون. وتسمح القنوات الموجودة بين الخلايا لكل الطبقات بنقل الهيدروكوينون إلى الخزان.
8- تصير القنوات أنبوبًا مخصصًا لنقل الكيماويات، وتنسحب الخلايا الإفرازية من سطح الخزان لتكون عضوًا منفصلًا. جدير بالذكر أن هذه المرحلة (الغدد الإفرازية المتصلة بالخزانات عن طريق أنابيب) موجودة بالفعل في كثير من أنواع الخنافس غير الخنفساء القاذفة.
9- تتكيف العضلات لإغلاق الخزان، كي تمنع تسرب الكيماويات خارجه في غير وقت الحاجة.
10- يختلط بيروكسيد الهيدروجين (وهو منتج ثانوي، يتم إنتاجه بشكل طبيعي أثناء عملية الأيض) مع الهيدروكوينونات، لتكوين مزيج يمكن استخدامه للدفاع في وقت الحاجة.
11- تظهر الخلايا المنتجة لإنزيمات الكاتالاز والبيروكسيداز، على طول الممر الخارج من الخزان. وهذا يضمن وجود المزيد من الكوينونات في الإفرازات الدفاعية.
الكاتالاز موجود في جميع الخلايا تقريبًا، والبيروكسيداز كذلك شائع لدى النباتات والحيوانات والبكتيريا. مما يعني أن هذه الإنزيمات لا تحتاج إلى صناعتها من الصفر، ولكن فقط تركيزها في مكان محدد.
12- ينتج المزيد من الكاتالاز والبيروكسيداز، لتزيد من حرارة السائل المقذوف. كما تزيد كذلك من سرعة قذفه نتيجة لوجود الأوكسجين الذي يُوّلد نتيجة التفاعل. تعتبر خنفساء Metrius contractus مثالًا جيدًا على الخنافس القاذفة التي تمتلك إخراجًا رغويًا، وليس على شكل نفاثات.
13- تصبح جدران الممر أقوى لتحمل الحرارة والضغط الناتجين عن التفاعل.
14- يستمر إنتاج المزيد من الكاتالاز والبيروكسيداز، كما تزداد جدران الممر قوة وسُمكًا حتى تأخذ شكل غرف التفاعل الموجودة في الخنافس القاذفة اليوم.
15- يزداد طول طرف بطن الخنفساء ويصبح أكثر مرونة للسماح لها بتصويب السائل في اتجاهات متعددة.
ونلاحظ من هذا السيناريو أن كل هذه الخطوات هي خطوات بسيطة وتحقق منفعة للخنفساء، لذا سيسمح الانتخاب الطبيعي بتمريرها. وقد يتساءل الخلقيون عن كيفية معرفتنا لهذا السيناريو، في الواقع، هذا مجرد سيناريو افتراضي قد يكون غير حقيقي أصلا!
فالفكرة ليست في كون السيناريو حقيقي، وإنما في توضيح إمكانية تأدية بعض أجزاء النظام لوظائف جزئية. أي بطلان فكرة التعقيد غير القابل للاختزال. بالإضافة إلى توافر آليات مشابهة في كائنات أخرى بشكل أبسط. ففي كل خطوة من السيناريو المفترض، حافظ النظام على وظيفته الأساسية وهي الحماية والدفاع. وفي كل خطوة، تطورت آلية الخنفساء الدفاعية بشكل أفضل.
مجددًا، لا يهم إن كان هذا هو السيناريو الحقيقي أم لا، المهم هو إمكانية تطور هذا النظام بشكل تدريجي مع الاحتفاظ بوظيفته في كل خطوة كما وضحنا. وهذا كافٍ لنعلم أنه ليس “غير قابل للاختزال” كما يروج داعمو التصميم الذكي. [3]
«السوط البكتيري-Bacterial flagellum»
السوط البكتيري هو تركيبة تشبه الذيل، حيث تعتبر وظيفته الأساسية هي مساعدة البكتيريا على التحرك. يرى الخلقيون أن السوط البكتيري مصنوع من مجموعة بروتينات لا يمكن أن يؤدي كل بروتين منها أي وظيفة وحده. وهذا يجعل السوط البكتيري غير قابل للاختزال في نظرهم، فهل ادعائهم صحيح؟
هذا ادعاء خاطئ لأبعد درجة، فالطبيعة مليئة بنماذج أولية وظيفية للسوط البكتيري (تذكروا ادعاءهم بأن أي نموذج أولي لأي نظام غير قابل للاختزال هو نموذج غير وظيفي)، بل ووظيفة كافية لتسبب خطرًا على حياة الإنسان.
من المعروف أن بعض أنواع البكتيريا تسبب الأمراض للكائنات التي تضيفها، والتي تعرف باسم «المضيف-Host». ولتتمكن البكتيريا من إصابة المضيف، عليها أن تحقن خلايا الكائن المضيف بالمواد السامة. ولكي تفعل البكتيريا ذلك تستخدم جهازًا يُدعى «الجهاز الإفرازي من النوع الثالث-Type III secretory system»، والذي يُرمز له بTTSS. تستخدم البكتيريا ال TTSS لتحقن السموم مباشرة في السيتوبلازم الخاص بخلية المضيف.
وقد تتساءل عن علاقة الTTSS بالسوط البكتيري الذي نتحدث عنه. أظهرت الدراسات أن قاعدة السوط تتشابه في البروتينات التي تكوّنها إلى حد كبير مع البروتينات التي تكون الTTSS. بالطبع، خبر غير سار لداعمي التصميم الذكي! إذ أن فكرة التعقيد غير القابل للاختزال قائمة على أنه بإزالة جزء واحد من النظام سيفقد النظام وظيفته. لكن هذا غير صحيح، فإذا أزلنا معظم أجزاء السوط البكتيري سيتبقى لنا جهاز إفرازي من النوع الثالث، وهو جهاز وظيفي كما ذكرنا.
يُعد وجود الTTSS في عدد كبير من أنواع البكتيريا المختلفة دليلًا على أن جزءًا صغيرًا من نظام “غير قابل للاختزال” (كما يتوهم الخلقيون) لا يزال يؤدي وظيفة بيولوجية مهمة لدى البكتيريا. وهذا يعني أن ادعاءهم بأنه على السوط البكتيري أن يتم تجميعه بشكل كامل قبل أن يصبح أي جزء منه ذو وظيفة هو ادعاء خاطئ. وهو ما يعني أن السوط البكتيري ليس “غير قابل للاختزال” كما يدعون. [4] ، [5]
وخلاصة القول في التعقيد غير القابل للاختزال أنه مجرد دليل متهافت مبني على فهم منقوص لعلم الأحياء اخترعه مايكل بيهي ليدعم فرضية التصميم الذكي. وأن كل أمثلته كما ذكرنا ليست غير قابلة للاختزال، ويمكنها أن تتطور تدريجيًا وهو ما نتوقعه من التطور. فالانتخاب الطبيعي لا يبدأ من الصفر، وإنما يعمل على أجهزة وظيفية موجودة من الأساس ليكسبها وظيفة جديدة أو يعزز وظيفتها الأصلية.
دحض التصميم الذكي
والآن بعد أن أوضحنا مدى تهافت دليل التعقيد غير القابل للاختزال، والذي بانهياره ينهار التصميم الذكي ويصبح كرماد تذروه الرياح بلا أي دليل ليدعمه. نأتي الآن بنيان الخلقيين من القواعد، حيث أن الأمثلة التي سنذكرها بعد قليل لا يمكن تفسيرها في ضوء التصميم الذكي. كذلك لا يمكن تفسيرها إلا في ضوء التطور.
«العصب الحنجري المتكرر-Recurrent laryngeal nerve»
العصب الحنجري هو العصب الذي يصل بين الحنجرة والدماغ. وعلى الرغم من قرب المسافة بين الحنجرة والدماغ إلا أنه يأخذ مسارًا على شكل حرف U في الأبجدية الإنجليزية بدلًا من أن يسلك مسلكًا مباشرًا. يلتف العصب الحنجري في جسد الإنسان من تحت الشريان «الأبهر-Aorta»، ثم يصعد مجددًا ليصل إلى الحنجرة. إلا أن الأمر يصبح أكثر غرابة عندما نأتي لحيوان كبير في الحجم مثل الزرافة. فيقوم هذا العصب بقطع مسافة تبلغ 15 قدم (حوالي 5 أمتار) ليلتف على شكل حرف U داخل عنق الزرافة!
وكما نرى، فهذا التصميم ليس ضروريًا على الإطلاق. فليس بهذا العصب حاجة ليقطع كل هذه المسافة ويلتف من تحت الأبهر ثم يصعد مجددًا لبلوغ وجهته. فما هو التفسير الممكن لهذه الظاهرة وفقًا لنظرية التطور؟
يكمن السبب في أننا تطورنا من أسماك، حيث أن فرع العصب الحائر يمتد في الأسماك من الأعلى للأسفل بجانب الوعاء الدموي القوسي الخيشومي السادس. يظل العصب بهذا الشكل في الأسماك الناضجة ليصل المخ بالخياشيم ليساعدها على ضخ المياه.
أثناء تطورنا، فقدنا الوعاء الدموي من القوس الخامس. وتحركت الأوعية الدموية من الأقواس الرابع والسادس إلى الأسفل لتكوين الشريان الأبهر وشريانًا يصل الأبهر بالرئتين. ولكن كان على العصب الحنجري أن يظل متصلًا بالبِنى الجنينية التي ستكون الحنجرة، والتي ظلت بالقرب من المخ.
ولأن الشريان الأبهر تطور إلى الوراء باتجاه القلب، كان على العصب الحنجري أن يلتف من تحته. ويمكنك مشاهدة مقطع فيديو قصير يوضح تطور هذه العملية من هنا.
في الواقع، نمتلك نفس التكوين السمكي للأعصاب والأوعية الدموية أثناء النمو الجنيني. ولكن ينتهي بنا المطاف بهذا التصميم للعصب الحنجري. [6]
الجهاز الهضمي للباندا
على الرغم من اعتماد دببة الباندا على نبات البامبو بشكل أساسي في الغذاء، إلا أن جهازها الهضمي ليس متكيفًا مع هذا النمط الغذائي. تقضي الباندا 14 ساعة يوميًا في أكل المزيد والمزيد من البامبو، لكنه لا يستطيع الاستفادة إلا من 17% من كمية البامبو التي يأكلها، فلماذا؟
يرجع السبب إلى امتلاك الباندا جهازًا هضميًا متكيفًا أكثر مع أكل اللحوم. فجهازها الهضمي يعاني من غياب البكتيريا التي تفرز إنزيمات لهضم السيليلوز مثل بكتيريا Ruminococcaceae الموجودة في الحيوانات آكلة النباتات الأخرى.
لا يمكننا تفسير هذا في ضوء التصميم الذكي لجهاز الباندا الهضمي، ولكن يمكننا تفسيره في ضوء تطور الباندا من دببة آكلة للحوم. الأمر منطقي، فجميع أنواع الدببة الأخرى آكلة للحوم، وبالتالي فقد ورث الباندا جهازه الهضمي من الدببة التي تعتمد في غذائها بشكل أساسي على اللحوم. [7] بينما يغض الخلقيون البصر عن هذا المثال الذي لا يترك مجالًا لفرضيتهم، فالجهاز الهضمي للباندا غير مصمم بشكل خاص بوضوح.
الولادة البشرية
عملية الولادة البشرية مؤلمة بشكل لا يحتمل، وسببت الوفاقة قبل تطور الطب الحديث لعدد كبير من النساء مع أجنتهم أثناء الولادة. وتكمن المشكلة في أننا طورنا دماغًا كبيرًا نسبيًا، هذا الدماغ أكبر من فتحة الحوض التي يمر من خلالها رأس الجنين. احتاجت فتحة الحوض إلى أن تكون ضيقة لتبقي على خاصية المشي المنتصب لدى البشر، وهو ما يتسبب للمرأة بهذا الألم الشنيع أثناء الولادة.
فإذا كان الإنسان مصممًا بشكل خاص، لم يكن ليستخدم نفس آلية الولادة التي تستخدمها باقي الحيوانات بطريقة أقل ألمًا (والتي لا تناسبنا بسبب رؤوسنا الكبيرة). ولكننا محكومون بتاريخنا التطوري كغيرنا من الكائنات. [6]
لا يصلح التصميم الذكي كفرضية علمية، يقف اليوم بلا أي أدلة حقيقية تصلح لإعلانه بديل عن نظرية التطور بأي حال.
المصادر
[1] Berkeley
[2] Nature
[3] Talk Origins
[4] NCBI
[5] Miller
[6] Why Evolution Is True?, By Jerry Coyne
[7] BIO M
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
الحقيقة أشكر لك هذه المقالة التي زادت من يقيني بوجود خالق للكون ومنظم، بل أن نظرية التطور هي التي تفتقر لأدني معايير النظرية العلمية وأكثر ما تحتاجه نظرية التطور لإثباتها هو إثبات نظرية التصميم الذكي، أما كونها هي الأكثر انتشاراً في الأوساط العلمية فالجواب بسيط وهو أن المجمع العلمي يقوم بإقصاء حاملي نظرية التصميم الذكي كما أقصت الكنيسة سابقاً غاليليو غالية حامل نظرية دوران الأرض حول الشمس بينما كان الإثبات الكنسي في ذلك الوقت أن الأرض مسطحة والشمس تسقط في البحر وكانت هذه الفكرة هي الأكثر شيوعاً في ذلك الوقت، فهل كانت صحيحة؟