مع نهاية عام 2025، يبرز البحث العلمي في مصر كأحد المحاور الرئيسية في استراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030”. لم يعد البحث العلمي مجرد ترف أكاديمي، بل تحول وفقاً لتصريحات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى “ركيزة اقتصادية” تسعى لبناء اقتصاد المعرفة. في هذا التقرير، نستعرض بلغة الأرقام والتحليل المهني ما تحقق من إنجازات وما يواجه المنظومة من عثرات.
أولاً: مؤشرات النجاح العالمي.. لغة الأرقام لا تكذب
حققت مصر في عام 2025 قفزات نوعية في تصنيفها الدولي، وهو ما تؤكده قواعد البيانات العالمية مثل “سكوبس” (Scopus) و”سيماجو” (SCImago):
ثانياً: ركائز الدعم.. بنك المعرفة والشراكات الدولية
تعتمد المنظومة المصرية في دعمها للباحثين على عدة أدوات استراتيجية:
بنك المعرفة المصري (EKB): الذي أصبح في 2025 أحد أضخم المنصات الرقمية المعرفية عالمياً، حيث ساهم بشكل مباشر في رفع تصنيف الجامعات المصرية عبر توفير المصادر العلمية مجاناً لملايين الطلاب والباحثين.
برنامج “أفق أوروبا” (Horizon\ Europe): انضمام مصر كشريك كامل في هذا البرنامج الأوروبي الضخم فتح آفاقاً لتمويل الأبحاث المشتركة بالعملة الصعبة، وسمح للباحث المصري بالمنافسة على قدم المساواة مع نظيره الأوروبي.
ثالثاً: مبادرة “تحالف وتنمية”.. ربط المختبر بالمصنع
أطلق الدكتور حسام عثمان، نائب الوزير لشؤون الابتكار، مبادرة “تحالف وتنمية” باستثمارات تتجاوز 2.2 مليار جنيه.
الهدف: إنشاء 9 تحالفات ابتكارية إقليمية تضم 18 جامعة و56 شريكاً صناعياً.
القطاعات المستهدفة: ركزت هذه التحالفات في عام 2025 على الهيدروجين الأخضر، والسيارات الكهربائية، والزراعة الذكية لضمان الأمن الغذائي.
رابعاً: نقد موضوعي.. تحديات هيكلية تهدد الاستدامة
لا يمكننا إغفال الجوانب المظلمة التي تعيق انطلاق المنظومة بالكامل، والتي تتمثل في:
فجوة الكوادر الشابة: تعاني المراكز البحثية من توقف التعيينات للكادر البحثي (مساعد باحث، مدرس مساعد) منذ أكثر من 10 سنوات، مما أدى إلى “شيخوخة” المنظومة وغياب جيل الوسط.
أزمة الإدارة بالوكالة: نحو 70% من قيادات المراكز البحثية يعملون بنظام “القائم بالأعمال”، وهو ما يعيق وضع خطط طويلة الأمد ويخلق حالة من عدم الاستقرار الإداري.
نزيف العقول (Brain\ Drain): تسببت الأزمات الاقتصادية وضعف الرواتب في هجرة واسعة للباحثين المتميزين للخارج، مع صعوبة كبيرة في استقطابهم للعودة.
نقص الدعم الفني: يواجه الباحثون صعوبة في صيانة الأجهزة العلمية المعقدة لغياب الكوادر الهندسية المتخصصة (Technicians)، مما يجعل أجهزة بملايين الدولارات “خارج الخدمة”.
خامساً: تحليل قطاعي للإنجازات في 2025
| أهم مخرجات عام 2025 | القطاع العلمي |
| تطوير بروتوكولات علاجية محلية للأمراض المتوطنة وزيادة الأبحاث في التكنولوجيا الحيوية. | الصحة والطب |
| ابتكارات في مجال تخزين الطاقة الشمسية وتحسين كفاءة الخلايا الكهروضوئية. | الطاقة |
| استنباط سلالات محاصيل استراتيجية (قمح، ذرة) أكثر تحملاً للملوحة والجفاف. | الزراعة |
| توطين تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الكبيرة للمدن الذكية المصرية. | الذكاء الاصطناعي |
دراسة حالة: “تحالف إقليم الدلتا للابتكار” – نموذج رائد لربط البحث العلمي بالصناعة في 2025
تعد مبادرة “تحالف وتنمية“ التي أطلقتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في مصر بنهاية عام 2024 وازدهرت نتائجها في 2025، أكبر محاولة مؤسسية لكسر “الأبراج العاجية” للجامعات. الفكرة تقوم على استغلال الميزانية الضخمة المرصودة (أكثر من 2.2 مليار جنيه) لخلق شراكات بين الجامعات، والمراكز البحثية، والقطاع الخاص في نطاق جغرافي واحد.
أولاً: هيكل تحالف إقليم الدلتا (نموذجاً)
يعتبر تحالف إقليم الدلتا من أبرز التحالفات التسعة الفائزة، حيث يضم 7 جامعات حكومية وأهلية، وأكثر من 12 شريكاً صناعياً.
المهمة الاستراتيجية: مواجهة تحديات “الزراعة الذكية” ($Smart\ Agriculture$) وتطوير الصناعات الغذائية.
المشاركون: جامعات (طنطا، المنصورة، كفر الشيخ) بالتعاون مع شركات كبرى في قطاع الأسمدة والإنتاج الحيواني.
ثانياً: الإنجازات المحققة في 2025
خلال العام المالي المنتهي في 2025، نجح هذا التحالف في تحقيق نتائج ملموسة:
ثالثاً: تحليل التحديات في ضوء “الواقع الميداني“
رغم النجاح التقني المذكور أعلاه، كشفت ممارسات عام 2025 عن فجوات تنظيمية تتسق مع رؤيتكم النقدية:
رابعاً: ميزان الأثر الاقتصادي
وفقاً لمؤشر المعرفة العالمي 2025، ساهمت هذه التحالفات في تحسين ترتيب مصر في “التعاون بين الجامعة والصناعة”، ولكن الأثر على “الناتج المحلي الإجمالي” (GDP) ما زال في طور التكون، حيث يتطلب العائد الاقتصادي الحقيقي دورة زمنية لا تقل عن 3 إلى 5 سنوات.
| وضع البحث العلمي (2025) | وضع البحث العلمي (قبل التحالفات) | وجه المقارنة |
| أبحاث تطبيقية مرتبطة بمشكلة صناعية | أبحاث للنشر والترقية فقط | التوجه البحثي |
| تمويل مشترك (حكومي + صناعي) | ميزانيات حكومية محدودة | التمويل |
| منتجات تجارية ونماذج صناعية | براءات اختراع حبيسة الأدراج | المخرجات |
خارطة الطريق لتطوير واستدامة منظومة البحث العلمي في مصر (2026 – 2030)
رغم تفوق مصر في مؤشر المعرفة العالمي 2025 واحتلالها المركز 25 عالمياً في النشر الدولي، إلا أن “القاعدة البشرية” واللوجستية للمراكز البحثية تعاني من تصدعات خطيرة. فمنظومة تعتمد على مجهودات الأفراد وتفتقر إلى استمرارية الأجيال (بسبب توقف التعيينات) هي منظومة مهددة بالانهيار بمجرد تقاعد الجيل الحالي.
المحور الأول: الإصلاح البشري وسد الفجوة الجيلية
لا يمكن بناء اقتصاد معرفة بدون “باحثين شباب” يمثلون وقود المستقبل.
المحور الثاني: الإصلاح الإداري والحوكمة
تحويل المراكز البحثية من “دواوين حكومية” إلى “وحدات إنتاج علمي”.
المحور الثالث: تطوير البنية التحتية واللوجستيات
المحور الرابع: ربط البحث العلمي بالسيادة الوطنية
رؤية للمستقبل.. من “حصاد الأرقام” إلى “حصاد الأثر”
إن الانتقال بمصر من المركز 25 عالمياً في “النشر” إلى مراكز متقدمة في “الابتكار الصناعي” يتطلب شجاعة في اتخاذ القرارات.
إن تجربة “تحالف وتنمية” في عام 2025 أثبتت أن المال وحده لا يصنع ابتكاراً، بل تحتاج المنظومة إلى “إصلاح جذري” في بنية المراكز البحثية. النجاح الرقمي في “سكوبس” وتصنيفات “ستانفورد” هو واجهة مشرفة، ولكن “المحرك” الداخلي للمنظومة (الباحثين الشباب والفنيين) يحتاج إلى خطة تعيينات عاجلة وإعادة اعتبار إداري.
إن حصاد البحث العلمي في مصر لعام 2025 يدعو للتفاؤل الحذر؛ فالأرقام الدولية تضع مصر في مكانة متميزة عالمياً، والإنتاج العلمي في نمو مستمر. ولكن، لكي تتحول هذه الأبحاث إلى “قيمة مضافة” حقيقية في الاقتصاد، يجب على الدولة معالجة التحديات الهيكلية فوراً، وعلى رأسها ضخ دماء جديدة في المراكز البحثية، وتطوير الكادر الفني، وضمان أن تكون الاختيارات القيادية قائمة على المعايير العلمية الصرفة بعيداً عن العلاقات الشخصية.
إن حصاد عام 2025 هو جرس إنذار؛ فإما أن نستثمر في “الإنسان البشري” والبيئة التحتية الآن، أو نخاطر بفقدان كل ما حققناه من مكاسب رقمية دولية.
تخيل أنك تستيقظ في غرفتك المظلمة تماماً. دون أن تفتح عينيك، ودون أن تلمس الجدران،…
من أعماق المحيط إلى حدود الكون: هؤلاء هم أبطال العلم لعام 2025 لم يكن عام…
في ظل تسارع وتيرة التغيرات المناخية التي تعصف بكوكبنا الأزرق، لم يعد دور المؤسسات الأكاديمية…
في الحادي والعشرين من ديسمبر، لا تحتفل مصر بمجرد مناسبة عابرة، بل تستحضر روح هويتها…
أحجية ثلاثية الأبعاد: علماء يعيدون تركيب وجه إنسان ما قبل التاريخ ويكتشفون مفاجأة تقنية مذهلة.…
في سابقة تشريعية وتاريخية، وبعد عقود طويلة من التكتم، والاتهامات المتبادلة بين نظريات المؤامرة والتفسيرات…