ما دور الانتقاء الجنسي في عملية التطور؟
هل يمكن اعتبار الأمر انتقاءًا طبيعيًا إن اختارت الأنثى ذكرًا لأن به صفات شكلية مناسبة لها فقط؟
إن هذا الشكل من الانتقاء الطبيعي يعرف باسم “الانتقاء الجنسي” أو “الانتخاب الجنسي”. ويعد الانتخاب الجنسي آلية مهمة من آليات الانتقاء الطبيعي، ولكن ماذا يعني بالضبط الانتخاب الجنسي ؟!
محتويات المقال :
ماهو الانتخاب/ الانتقاء الجنسي ؟
هل انتبهنا يومًا إلى مدى الاختلاف الموجود بين الذكر والأنثى؟ لا أتحدث هنا عزيزي القارئ عن الانسان فقط، بل أقصد جميع الكائنات الحية. فإن نظرنا مثلًا إلى بعض أنواع الغزلان، ستجد أن الذكور تتمتع بجسد ضخم وقرون كبيرة الحجم.
وعلى العكس، نجد أن الإناث أصغر حجمًا، ولا تتمتع بقرون على الإطلاق. ويمكن للفرق أن يكون عظيمًا أكثر من ذلك؛ كبعض أنواع الرنة المنقرضة والتي تمتعت الذكور فيها بقرون عظيمة الحجم على عكس الإناث.
كذلك توجد بعض أنواع الطيور، على سبيل المثال الفصيلة المعروفة باسم «Long Tailed Widow birds»، والتي يتمتع فيها الذكور بمزيج رائع وملفت من الألوان. حيث يمتلك الذكور أكتافًا ملونة باللونين البرتقالي والأبيض. ومنقارًا أبيض مائل للزرقة، وذيل طويل جدًا لدرجة أنها لم تعد تستطيع الطيران بسببه.
بينما تتمتع الإناث بأجساد تتلون باللون الأسود فقط، ومنقارًا باللون الأبيض وذيل قصير.
ولكن، لماذا يحدث ذلك؟
ألا يجب أن تنجو الكائنات التي لا تتمتع بصفات ملفتة؟
لأنه ببساطة هذا الذيل الطويل جدًا والألوان الزاهية من الممكن أن تجذب الحيوانات المفترسة بسهولة. وبالتالي يصبح هذا خطرًا على الذكور من تلك الفصيلة. أليس من المفترض أن تكون هذه الصفات قد أدت إلى انقراض تلك الفصيلة منذ وقت طويل مضى؟ ألا يفترض أن توجد فقط الطيور التي تتمتع بألوان غير زاهية وذيول قصيرة (صفات غير ملفتة) على قيد الحياة اليوم؟ ببساطة، هذا هو الانتخاب الجنسي.
ما هي أنواع الانتخاب الجنسي ؟
يحدث الانتخاب الجنسي عندما تختار الإناث من فصيلة ما أن تتزاوج مع الذكور التي تتمتع بصفات ملفتة للنظر من نفس الفصيلة، لأن الإناث تميل إلى الظن أن هؤلاء الذكور يتمتعون بصفات أقوى وأكثر صحة، فإن استطاع هؤلاء الذكور النجاة مع تلك الصفات الملفتة للنظر، فلا بد أنهم يتمتعون بصحة وصفات قوية ومناسبة.
ويمكننا تطبيق تلك القاعدة على الغزال، فإناث الغزلان تختار الذكور التي تتمتع بقرون عظيمة الحجم، ولكن يمكن للأمر أن يتعقد أكثر من ذلك، فللانتخاب الجنسي نوعان:
النوع الأول يعرف باسم «الانتخاب الجنسي بين نفس أفراد النوع-Intersexual Selection»، وفي هذا النوع، تختار الإناث الذكور التي تتمتع بصفات ملفتة.
النوع الثاني كما في حالة الغزلان التي تحدثنا عنها، يمكن للذكور أن تستخدم القرون التي تتمتع بها في القتال حتى يفوز واحد منهم بالأنثى، وفي تلك الحالة يعرف الانتخاب الجنسي بــ«الانتخاب الجنسي بين نفس أفراد الجنسIntrasexual-Selection».
كما يظهر لنا، فيمكن في كثير من الأحيان أن يتداخل النوعان من الانتخاب الجنسي في نفس العملية.
يمكن مثلًا أن تختار أنثى في فصيلة ما أن تتزاوج مع ذكر معين وتحدث تلك العملية في إطار النوع الأول من الانتخاب الجنسي. أو أن تنتظر الذكور حتى تتشاجر بين بعضها البعض ثم ينتصر واحد منهم ويتحقق النوع الثاني.
يمكن أيضًا أن تختار الأنثى ذكرًا يتشاجر مع ذويه للفوز بها، ويتحقق النوعان معًا في نفس العملية.
في الحقيقة، فإن ذكور الزراف كذلك تتقاتل مع بعضها البعض باستخدام رقابها الطويلة. أفلا يمكن إذًا أن تكون رقاب الزراف الطويلة مجرد تكيف لعملية «Intrasexual Selection» ؟
ولكن لماذا يسري الأمر بتلك الطريقة؟
لم يجب على الذكور أن تتقاتل فيما بينها وأن تقوم الإناث بالاختيار بينهم فقط؟
يرجع ذلك إلى الوقت الذي يجب أن تستثمره الإناث وعدد الأبناء التي يمكنها أن تنجبه، فبما أن عدد الأجيال التي يمكن أن تربيها الأنثى محدود، وكذلك الوقت الذي تحتاجه الإناث للحمل والرضاعة، والمجهود الذي تضيعه في ذلك، كل ذلك محدود، وبالتالي تحاول الأنثى القيام بالاستثمار الأفضل واختيار الذكر الأصلح.
أما بالنسبة للذكور، فالوضع مختلف، فيمكن للذكر أن يتزاوج مع العديد من الإناث، وأن ينجب من كل أنثى العديد من الأبناء، وبالتالي تحاول الذكور الوصول إلى العدد الأكبر من الإناث، بينما تحاول الإناث الوصول إلى الى الذكر الأفضل والأصلح.
حسنًا، الأمور تسري هكذا طوال الوقت إذًا، صحيح؟
في الحقيقة لا، فهناك بعض الحالات التي يختار فيها الذكور الأنثى الأصلح للتزاوج. فعلى سبيل المثال، إن نظرنا إلى فصيلة “العنكبوت الأرملة”، فالذكور هم الذين يختارون الأنثى الأصلح للتزاوج. لأنه من الممكن أن يتم أكلهم أثناء عملية التزاوج، وبالتالي يقومون باختيار الأنثى الأكبر ذات البيض الأكبر حجمًا، لأن الإناث ذات البيض الأكبر تكون أقل جوعًا من غيرها.
وإن نظرنا لأنثى فصيلة “العنكبوت الأرملة“، سنجد أن الأنثى مميزة جدًا، ذات حجم كبير وتمتلك ألوان زاهية، بينما يكون الذكر بني اللون، صغير الحجم ويمكن ملاحظته بصعوبة. فبالتالي نجد أن الأمر صار العكس تمامًا عندما تحدثنا عن العناكب بدلًا من فصيلة الطيور السابق الحديث عنها.
وبالتالي، ومع ملاحظة درجة الغرابة والتعقيد التي قد تصل إليها. إلا أن «الانتخاب الجنسي-Sexual Selection» هو عملية مهمة وأساسية من عمليات التطور البيولوجي. وتظل طريقة قوية يمكنها إنتاج العديد من الصفات الرائعة كطول الذيل المبهر في بعض فصائل الطيور، أو الحجم الكبير للعنكبوت الأرملة.
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :