باتت المعلومات جزءًا أساسيًا لا غنى عنه في التقدم الحضاري. حيث أدرك الإنسان منذ زمن طويل دور المعلومات الجوهري في تلبية حاجاته اليومية الملحة في المعرفة واستخدامها لحل المشكلات. ولكن اختلف الأمر كثيرًا في العصر الحديث ومنذ بداية العالم الرقمي شهد الإنسان تطورًا غير مسبوق في حجم المعلومات وانتشارها. الأمر الذي أدى إلى مشكلة حقيقية في معالجة هذا الكم الضخم من المعلومات. وعند الوضع في الاعتبار محدودية مصادرنا مثل الوقت وقدرتنا على معالجة تلك المعلومات نجد أن المعادلة أصبحت مستعصية على الحل. تُعرف هذه المشكلة بالإغراق المعلوماتي.
محتويات المقال :
استخدم مصطلح “الإغراق المعلوماتي” لأول مرة في كتاب بيرترام غروس الصادر عام 1964 “إدارة المنظمات”. وازدادت شعبيته من قبل الكاتب الأميركي ألفين توفلر في كتابه الأكثر شهرة لعام 1970 “صدمة المستقبل”. حيث وصفه بأنه الصعوبة التي يواجهها الإنسان عند اتخاذ القرار في وجود كم مفرط من المعلومات. وعرفت بروفيسورة نظم المعلومات شيري شبير المصطلح في ورقة بحثية بعنوان “تأثير مقاطعة المهام على اتخاذ القرارات الفردية: منظور الحمل الزائد للمعلومات” حيث قالت أنه إذا تجاوزت المدخلات قدرة الفرد على المعالجة، فإن الإغراق المعلوماتي يحدث، مما يسبب انخفاضًا بجودة القرارات المتخذة. أي أنه الإغراق المعلوماتي يحدث عند وجود الكثير من المعلومات التي تفوق قدرة الفرد على المعالجة فيسبب ذلك ارتباك للشخص وانخفاض في قدرته على اتخاذ قرار. [1]
يرتبط الإغراق المعلوماتي بقدرة الفرد على معالجة تلك المعلومات. فبقليل من المعلومات يأتي القليل من المعالجة وبالتالي اتخاذ قرارات سيئة. وبزيادة كم المعلومات تدريجيًا تزداد معها عملية المعالجة لتلك المعلومات وبالتالي زيادة جودة القرارات المتخذة. ولكن بعد الوصول إلى نقطة معينة عندما يتعدى كم المعلومات الحد الأقصى لاستيعاب الفرد يحدث الارتباك الناتج عن الحمل الزائد للمعلومات. مؤثرًا بذلك على قدرة الفرد في اتخاذ القرار وقد يؤثر أيضًا بشكل سلبي على قدرة الفرد في تحديد الأولويات وحتى تذكر المعلومات السابقة.
وبتعدد الأجهزة الرقمية وأجهزة الاتصال وانتشار طرق متعددة ومختلفة لنشر المعلومات بل ولسهولة استخدامها أيضًا تعددت أسباب الإغراق المعلوماتي. فقد ينبع من:
ومع تعدد الأسباب المؤدية للإغراق المعلوماتي، ازدادت احتمالية التعرض له أكثر من أي وقت مضى. مسببًا بذلك آثار جسيمة على الفرد.
دائمًا ما تأتي آثار الإغراق المعلوماتي سلبيةً على مستخدمي المعلومات المتوسطين. فيجدوا أنفسهم دائمًا أمام مجموعة من التحديات للوصول إلى معلومات مفيدة أو الحصول على المعلومات المطلوبة وسط أكوام أخرى من المعلومات الغير مرغوب بها. فينتهي بهم الأمر إلى الإرهاق والقلق.
ومن التأثيرات الأخرى أيضًا:
حقيقة وجود الكثير من المعلومات لم تشكل تحدٍ على المستوى الفردي فحسب. فعلى المستوى العالمي تواجه الكثير من الشركات التقنية والعديد من المؤسسات الحكومية بالإضافة إلى مدراء الأعمال وأصحاب القرار هذه الموجة الضخمة المتجددة من المعلومات التي يتثمل عبئها في وفرتها وعدم تنظيمها وعدم القدرة على استخراج المعلومات القيمة أو ذات الصلة لكي تعود بالفائدة المُرادة.
بناءً على تلك المشكلة من عدم التنظيم ووجود الحاجة إلى الوصول للمعلومات المفيدة في أقرب وقت تتولد مهام مثل تنظيم المعلومات وتصفية المعلومات الغير ضرورية واستخراج الأخرى المطلوبة.
على الرغم من بذل جهود منهجية من قبل خبراء المكتبات وعلوم المعلومات وعلماء الكمبيوتر للتعامل مع هذا الانتشار الهائل للمعلومات من خلال وسائل مختلفة مثل التحكم الببليوغرافي وإدارة المعلومات وتقنيات الاسترجاع، لم يتم العثور على طريقة ناجحة مؤكدة لاستخدامها في معالجة هذا النمو من المعلومات.
وفي ذلك الصدد تمت مناقشة دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في معالجة الإغراق المعلوماتي على نطاق واسع.
فبينما ينظر إلى تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من قبل مؤلفين مثل Steve whittaker و Candace lee sidner
على أنها أحد المسببات الرئيسية للإغراق المعلوماتي، ينظر العديد من المؤلفين الآخرين مثل Farhoomand و Drury لها على أنها المورد الرئيسي لحل هذه المشكلة. [3]
فمع التقدم التكنولوجي الذي نشهده اليوم وزيادة كفاءة محركات البحث المدعومة بتقنيات وخوارزميات ذكية مثل خوارزميات تعلم الآلة والتعلم العميق القادرة على استخلاص المعلومات المطلوبة أو ذات الصلة بسرعة وكفاءة عالية بالإضافة إلى التقدم في مجال علم البيانات أصبحت مشكلة الإغراق المعلوماتي قابلة للمعالجة والحل.
أما عن طرق التصدي لها على المستوى الشخصي، يوافق الأخصائيون على أنه لا غنى عن تحصيل مهارات «الوعي المعلوماتي-information literacy» للتعامل بنجاح مع الإغراق المعلوماتي. وقد تم تعريف “الوعي المعلوماتي” بأنه “مجموعة من القدرات التي تمكن الأفراد من معرفة وقت الحاجة إلى المعلومات والقدرة على تحديد مكانها وتقييمها واستخدامها على نحو فعال”. [4]
فالفرد الذي يمتلك تلك المهارات أي “واعِ معلوماتيًا” قادر على:
لذلك، إذا أمكن للشخص أن يحصل على مستوى معتدل من مهارات الوعي المعلوماتي، سيكون قادرًا على الحصول على المعلومات ذات الصلة من مصادر مختلفة واستخدامها بحكمة في حل المشكلات.
يؤكد كلًا من Simpson و Prusak أن الآليات الأساسية لمكافحة الحمل الزائد للمعلومات هي التأكد من أن المعلومات المقدمة ذات قيمة عالية، وأنه تم توفيرها بأنسب الطرق. [5]
الإغراق المعلوماتي يواجهنا الآن أكثر من أي وقت مضى. لعلي أيضًا أثناء إعدادي لهذا المقال أصابني بعض الارتباك عند تجميع الكثير من المعلومات من مختلف المصادر وبحثي عن المعلومات المفيدة بداخلها. ولكن بالعديد من التدريب والاستمرار على ممارسة مهارات الوعي المعلوماتي وأساليب التعامل مع أمواج المعلومات الضخمة والاستفادة منها سوف يساهم ذلك بشكل كبير في التغلب على الإغراق المعلوماتي. أو على الأقل، تقليل احتمالية التعرض له.
[1] Wikipedia.
[2] Harvard business review.
[3] Semantic scholar.
[4] association of college & Research libraries.
[5] ScienceDirect.
لقد تصارع الفلاسفة لفترة طويلة مع مفهوم المعاناة، ولكن في الفلسفة الوجودية (Existentialism) تتلقى المعاناة…
قامت دراسة حديثة نشرت في مجلة (Science) في 27 سبتمبر 2024، باقتراح دفن الخشب لمكافحة…
لقد شهدت الفيزياء تحولا كبيرا في السنوات الأخيرة مع الاعتراف بالمساهمات البارزة للمرأة. ومن بين…
هل تريد أن تتكيف ملابسك مع درجة حرارة جسمك في الوقت الفعلي، وأن ترتدي نفس…
في عملها المبدع "الحالة الإنسانية"، دقت الفيلسوفة حنة آرنت (Hannah Arendt) ناقوس الخطر بشأن تآكل…
لطالما كان جبل إيفرست، أطول جبل على وجه الأرض، أحد عجائب العالم الطبيعي، لكن دراسة…