لطالما حلم الأطفال بالعيش في منازل مصنوعة من الحلوى، وأكل الباب المصنوع من الشوكولا ربما!. قد تظنّها ليست إلا أحلامًا طفوليةً، لكن طوّر باحثون في جامعة طوكيو مؤخّرًا تقنيةً لإنتاج الأسمنت الصالح للأكل Edible cement والمصنوع من مخلّفات الطعام.
محتويات المقال :
يعدّ «الأسمنت- cement» أحد أهمّ موادّ الربط المستخدمة في البناء والهندسة الإنشائية، وهو عبارة عن مسحوق ناعم ومطحون يخلط مع الماء لكي يتصلّب لاحقًا. يضمّ الأسمنت أنواعًا كثيرةً لكن أشهرها هو «الأسمنت البورتلاندي-portland cement» بأنواعه المختلفة.
يملك الأسمنت استخداماتٍ كثيرةً، فيمكن أن يستعمل وحده كمادّة حشو. كما يدخل الأسمنت البورتلاندي في صناعة الطوب، والبلاط، والأنابيب، وروافد السكك الحديدية، وغيرها من المنتجات مسبقة الصنع. بالرغم من ذلك يستخدم بشكل شائع ضمن الخرسانة والمونة الأسمنتية. إذ تستخدم المونة لربط القرميد والحجر في الجدران أو لترميم الأسطح، بينما تعتبر الخرسانة المادّة الأكثر استخدامًا من بين جميع موادّ البناء في العالم اليوم.[1]
اشتُقّ مصطلح الأسمنت من الكلمة اللاتينية Caementum والتي تعني شظايا الحجر، ويعود أصل الأسمنت المائي إلى اليونان القديمة وروما. إذ اعتمدوا على الجير وخلطوه مع الرماد البركاني والذي يتفاعل معه ببطء بوجود الماء وذلك لتشكيل كتلة صلبة. بالتالي تشكّلت مادّة الملاط الروماني منذ أكثر من 2000 سنة والتي اعتبرت إنجازًا هامًا في تطور الهندسة الإنشائية وأعمال البناء اللاحقة في أوروبا الغربية. ومرّ تطوّر الأسمنت الطبيعي بمراحل عدّة، فطور المهندس المدني «جون سميتون-John Smeaton» الجير المائي عام 1756، أثناء إنشائه لمنارة إديستون في إنجلترا. ثم حوالي عام 1800 تشكّل الأسمنت بواسطة حرق عقيدات من الحجر الجيري والطيني في إنجلترا وفرنسا.
عادةً ما ينسب اختراع الأسمنت البورتلاندي إلى البريطاني «جوزيف أسبدين-Joseph Aspdin» حيث حصل عام 1824 على براءة اختراعٍ بذلك. وأطلق عليه اسم الأسمنت البورتلاندي بسبب التشابه الكبير بينه وبين حجر البورتلاند المستخدم في البناء بإنجلترا. بينما يعتبر آخرون أن النموذج الحقيقي للأسمنت البورتلاندي هو ذلك الذي أنتجه «اسحق تشارلز جونسون-Issac charles johnson» حوالي عام 1850. وبحلول عام 2019 أصبحت الصين والهند رائدتين في إنتاج الأسمنت في العالم، تليهما فيتنام وأمريكا ومصر.[1]
طوّر «يويا ساكاي-Yuya sakai» في بحث سابق تقنيّةً لخلط مسحوق الخرسانة المعاد تدويرها ونفايات الخشب. وخلال تجاربه هذه بدأت فكرة «الأسمنت الصالح للأكل-Edible cement»، فأحدَثَ لاحقًا تقنيةً يمكن من خلالها إنتاج أسمنت من فضلات الطعام. وهي المرّة الأولى التي يصنع فيها الأسمنت بالكامل من مخلّفات الفواكه والخضروات. ووجد بأنه يمكن استخدام مجموعة متنوّعة من الأطعمة بما في ذلك قشر الموز والبصل والبرتقال وأوراق الشاي واليقطين والأعشاب البحرية وغيرها أيضًا. [2][3]
وثّق ساكاي و«ماشيدا-Machida» عملية تصنيع الأسمنت الصالح للأكل من خلال مقال نشراه في أيار 2021. ويقسّم ساكاي عملية التصنيع إلى 3 مراحل: تكسَّر المواد الخام (فضلات الطعام) وتوضع القطع الصغيرة في فرن عند درجة حرارة 105 درجة مئوية أو في آلة التجفيف. ثم يتمّ سحق الموادّ الجافّة باستخدام الخلاط. لاحقًا يخلط المسحوق مع الماء والتوابل، وأخيرًا يُطبّق ضغط ساخن على المزيج عند 180 درجة مئوية.[3]
أجريت الاختبارات على الأسمنت الصالح للأكل مع الأخذ بعين الاعتبار قوّة الموادّ وطعمها. وأشارت النتائج بأنه قد وصلت جميع العيّنات إلى قوّة المقاومة المطلوبة باستثناء العيّنة المشتقّة من اليقطين. بينما أظهر الملفوف الصيني قوّة مقاومة أكثر بثلاث مرّات من الأسمنت العادي. بالطبع يتطلّب كلّ مكوّن درجة حرارة ومستوى ضغط مختلف عن غيره، وهذا ما شكّل التحدّي الأصعب لهذه التجربة. لذلك لزم القيام بعدد هائل من الاختبارات لكي يتوصّلوا إلى نتيجة متجانسة ومرضية. مع ذلك فإن هذا الضبط الدقيق هو الذي جعل التجربة ناجحةً. حيث كان قد صُنع أسمنت من بقايا الأغذية في دراسات سابقة لكنه تطلّب دائمًا إضافة البلاستيك إلى المزيج.
سلّطت التجارب الضوء على عوامل غير قوّة المقاومة مثل النكهات والروائح. وبيَّنت التجارب أن الطعام لا يزال يحتفظ برائحته الأصلية، وبحسب ساكاي فإن المنتج غير سام وآمن للاستهلاك ولكنه “مقرمش جدًا” كما يقول. ومن الجدير بالذكر أن الأسمنت الصالح للأكل يحتفظ بلون الطعام الأساسيّ مما يولّد مجموعةً واسعةً من التركيبات والاحتمالات للبناء.
أظهرت التجارب التي أجريت بعد 4 أشهر على الأسمنت الصالح للأكل الموضوع بإحدى الغرف، أنه لم ترد تقارير عن هجمات الحشرات أو الديدان أو الفطريّات. علاوةً على ذلك بقي مظهره كما هو. مع ذلك يمكن وضع مادّة كيميائية أو تغليف الأسمنت بطلاء اللك لضمان قدر أكبر من المتانة، ولكن عندها لن يبقَ الأسمنت صالحًا للأكل.[3] و«طلاء اللك-Lacquer» هو غشاء رقيق لامع وعازل يستخدم لتغطية المعادن والأخشاب والخزف الصيني.
يأمل الخبراء أن يساعد الأسمنت الصالح للأكل في التخفيف من مشكلتي هدر الطعام والاحتباس الحراري. وبما أن الأسمنت الصالح للأكل مصنوع من الغذاء القابل للتحلّل الحيويّ فمن الممكن أن يدفن عندما تنتهي الحاجة إليه. أو حتى يمكن أن يؤكل إذا طُحن وخلِط بالماء. وأضاف الخبراء أنه يمكن استخدامه لبناء مساكن للاجئين بعد الكوارث.
لا تزال التقنيّة قيد التطوير والدراسة ولم يطبّقها أحد في البناء بعد، لكن سعت شركات أخرى مثل شركات صناعة الأثاث لاستخدام هذه التقنيّة مثل شركة Fabulu inc. كذلك يضيف الأسمنت الصالح للأكل معنىً جديدًا إلى الهندسة المعمارية التي إلى جانب الرؤية واللمس والشمّ والسمع يمكنها الآن تحفيز التذوّق أيضًا.[2][3]
وأنت هل تعتقد بأنك ستجرّب يومًا ما الأكل في مطعم مخصّص بتقديم وجبات الأسمنت الصالح للأكل؟
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…