Ad

اكتشف فريق من الباحثين بقيادة البروفيسور براكاش كومار من قسم العلوم البيولوجية بجامعة سنغافورة الوطنية آلية جديدة لتكيف النباتات مع الإجهاد الملحي. حيث يمكن للنباتات إزالة أيونات الكلوريد الزائدة من جذورها، وبالتالي زيادة قدرتها على تحمل ملوحة التربة. وهذا الإنجاز لديه القدرة على إحداث ثورة في إنتاج المحاصيل والتخفيف من خطر ملوحة التربة. تؤثر ملوحة التربة على ملايين المزارعين في جميع أنحاء العالم. يأتي البحث، المنشور في مجلة (Nature Communications) في 10 مايو 2024، ضمن جهد تعاوني مع الدكتور جيري فريمل من معهد العلوم والتكنولوجيا في النمسا، والبروفيسور شو جيان من جامعة رادبود في هولندا.

أيونات الكلوريد

أيونات الكلوريد، رغم كونها عناصر غذائية أساسية للنباتات بتركيزات منخفضة، يمكن أن يكون تراكمها الزائد سامة للنبات. قد يبدو هذا غريب، لكنه توازن دقيق تعلمت النباتات الحفاظ عليه على مدى ملايين السنين من التطور. عند المستويات المثالية، تلعب أيونات الكلوريد دورًا حاسمًا في العمليات الفسيولوجية المختلفة. حيث تعتبر ضرورية للنباتات للحفاظ على الحياد الكهربائي المناسب ودرجة الحموضة الخلوية. كما تدعم الوظائف الأساسية مثل التمثيل الضوئي والتنفس. ومن ناحية أخرى، يمكن للوفرة الزائدة من أيونات الكلوريد أن تعطل التوازن الأيوني، مما يسبب السمية الخلوية وفي النهاية موت النبات. وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على النباتات.

ويبقى السؤال: كيف تقوم النباتات بإزالة أيونات الكلوريد الزائدة لاستعادة التوازن الأيوني والبقاء حية في البيئات المالحة؟ يكمن أحد الأسباب في الطريقة التي تنظم بها النباتات أنظمة النقل الأيوني الخاصة بها اعتمادها على شبكة متطورة من الناقلات والقنوات لإدارة توازنها الأيوني. على عكس الحيوانات، التي لديها نظام إخراج أكثر تعقيدًا للتخلص من الأيونات الزائدة. وفي حين طورت النباتات استراتيجيات للتعامل مع أيونات الصوديوم الزائدة، فإن إزالة أيونات الكلوريد لا تزال غير مفهومة بشكل جيد، حتى الآن.

تحمل النباتات لملوحة التربة

اكتشاف آلية جديدة لإزالة الكلوريد

لديك مضخة صغيرة، تعمل بلا كلل لإزالة أيونات الكلوريد الزائدة من الخلايا النباتية، مما يسمح لها بالنمو حتى في التربة المالحة. هذه الآلية الرائعة هي ما كشفه الباحثون، وهي تغير قواعد اللعبة في البحث حول تحمل النباتات لملوحة التربة. وفي قلب هذا الاكتشاف يوجد بروتين محدد لقناة الكلوريد يسمى (AtCLCf)، والذي يلعب دورًا حاسمًا في إزالة الكلوريد تحت ظروف الإجهاد الملحي.

في ظل ظروف النمو الطبيعية، يتم تخزين بروتين (AtCLCf) في نظام الغشاء الداخلي، المعروف أيضًا باسم جهاز جولجي (the Golgi apparatus). وعندما يتعرض النبات للإجهاد الملحي، ينتقل هذا البروتين إلى غشاء البلازما، حيث يصبح نشطًا. وأصبحت هذه العملية ممكنة بمساعدة بروتين آخر يسمى (AtRABA1b/BEX5)، والذي يساعد (AtCLCf) في رحلته إلى سطح الخلية. هذه خطوة حاسمة في دفاع النبات ضد الإجهاد الملحي، لأنها تسمح لبروتين (AtCLCf) بتسهيل إزالة أيونات الكلوريد الزائدة من الخلايا.

ولكن كيف يعرف (AtCLCf) متى ينتقل إلى غشاء البلازما؟ وجد الباحثون أن عامل النسخ (transcription factor) المسمى (AtWRKY9) يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم التعبير عن جين (AtCLCf) عندما يكون النبات تحت ضغط ملحي. وهذا يعني أنه عندما يتعرض النبات للملح، فإن (AtWRKY9) يؤدي إلى إنتاج (AtCLCf)، والذي ينتقل بعد ذلك إلى غشاء البلازما لإزالة أيونات الكلوريد الزائدة. نفهم من ذلك أن عامل النسخ ما هو إلا مستشعر لإنتاج البروتين القادر على تنظيم الملح.

وباستخدام تقنيات متقدمة مثل قياس الفلور والدراسات الفيسيولوجية الكهربية، تمكن الباحثون من إثبات أن (AtCLCf) يعمل مثل المضخة. حيث يقوم بتبديل أيونات الكلوريد مع أيونات الهيدروجين لإزالة الكلوريد الزائد من الخلايا. هذه العملية ضرورية للحفاظ على التوازن الأيوني وزيادة قدرة النبات على تحمل الملوحة.

تطبيقات وآثار تحمل النباتات لملوحة التربة

إن الآثار المترتبة على هذا الاكتشاف مذهلة. فمن خلال القدرة على هندسة محاصيل تتحمل الملوحة، سيصبح بوسعنا فتح إمكانات جديدة للزراعة في المناطق الساحلية. حيث تجعل الرياح المحملة بالملوحة والمد والجزر التربة غير صالحة للعديد من المحاصيل. قد يؤدي هذا إلى تغيير قواعد اللعبة فيما يتعلق بالأمن الغذائي، خاصة في المناطق التي تندر فيها الأراضي الصالحة للزراعة.

ولا تتوقف الفوائد عند هذا الحد. يمكن أن تساعد المحاصيل التي تتحمل الملوحة أيضاً في استصلاح الأراضي المملحة، والتي تبلغ مساحتها حالياً أكثر من 800 مليون هكتار في جميع أنحاء العالم. فمن خلال زراعة المحاصيل القادرة على الازدهار في هذه الظروف، يمكننا استعادة الأراضي التالفة. يمكننا أيضًا تعزيز التنوع البيولوجي، بل وحتى التغلب على تحدي نسب الكربون من الغلاف الجوي.

يمكن أن يكون لبروتين (AtCLCf) تطبيقات مهمة في الزراعة الحضرية. حيث يتفاقم الإجهاد الملحي غالبًا بسبب سوء نوعية التربة وعدم كفاية أنظمة الري. ومن خلال هندسة المحاصيل القادرة على تحمل مستويات عالية من الملح، قد نتمكن من إنشاء مزارع حضرية أكثر مرونة وإنتاجية. وهو ما من شأنه أن يساعد في إطعام أعداد متزايدة من سكان المناطق الحضرية.

السؤال هو، ما هي الخطوة التالية؟ هل يمكننا تطبيق هذه المعرفة لتطوير أصناف جديدة مقاومة للضغوط المتعددة، مثل الجفاف والحرارة؟ تكمن الإجابة في البحث والابتكار المستمرين، مدفوعين برؤية عالم حيث يتمكن كل شخص من الوصول إلى طعام مغذٍ ومستدام ووفير.

المصادر:

Removal of excess chloride ions by plants when subjected to salt stress / science daily

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


أحياء بيئة

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 550
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *