عمر ياغي ونوبل الكيمياء.. من تحديات شُحّ المياه إلى ثورة الأطر المعدنية العضوية (MOFs)
محتويات المقال :
في إنجاز تاريخي يضاف إلى سجل العلماء العرب في المحافل الدولية، أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم عن فوز الأستاذ عمر م. ياغي، الأردني-الأمريكي، وزميليه، الياباني سوسومو كيتاغاوا والبريطاني ريتشارد روبسون، بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2025، وذلك “لتطويرهم الأطر المعدنية العضوية (Metal–Organic Frameworks – MOFs)”. هذا الفوز ليس مجرد تكريم أكاديمي، بل هو تتويج لمسيرة عالم ربط بين تحديات حياته المبكرة في الأردن وبين طموحه العلمي لتوفير حلول لمشكلات عالمية ملحة، في مقدمتها تحدي المياه.
البروفيسور ياغي، الذي وُلد في الأردن عام 1965 لعائلة نزحت من فلسطين عام 1948، عاش طفولة صعبة في منزل يفتقر للكهرباء والمياه المستمرة، حيث كانت المياه تُضخ لساعات محدودة فقط في الأسبوع. هذه الظروف، وبدلاً من أن تكون عائقاً، غرست في الصغير دافعاً قوياً للتخصص في مجال يمكنه من خلاله المساهمة في توفير المياه والموارد، ليتحول هذا الدافع إلى ثورة علمية تُعرف اليوم باسم “كيمياء الأطر المعدنية العضوية”.
جائزة نوبل لعام 2025 تذهب إلى العلماء الثلاثة الذين نجحوا في تطوير فئة جديدة تماماً من البُنى الجزيئية تُعرف باسم الأطر المعدنية العضوية (MOFs). يمكن تشبيه هذا الإنجاز باختراع نوع جديد من الليغو (LEGO) على المستوى الجزيئي، لكن بدلاً من اللعب، يتم استخدامه لتصميم مواد بمواصفات “مُعدّة خصيصاً” لتلبية احتياجات محددة.
ما هي الأطر المعدنية العضوية (MOFs)؟
الأطر المعدنية العضوية هي مواد بلورية مسامية (Porous Crystalline Materials) ذات مساحة سطح هائلة، يتم بناؤها من مكونين رئيسيين:
باجتماع هذين المكونين، تتشكل شبكات بلورية منتظمة ثلاثية الأبعاد تحتوي على فجوات وتجاويف كبيرة (Large Cavities). هذه الفجوات هي التي تمنح MOFs قدرتها الخارقة على التقاط وتخزين ونقل مواد كيميائية محددة بكفاءة عالية جداً.
المساهمة العلمية للعلماء الفائزين:
إن الإمكانات الهائلة لـ MOFs، والتي وصفها هاينر لينك (Heiner Linke)، رئيس لجنة نوبل للكيمياء، بأنها “تُضفي فرصًا لم يسبق لها مثيل للمواد المُصنّعة حسب الطلب بوظائف جديدة”، تجعلها في صدارة الأبحاث لحل مشكلات عالمية كبرى:
أ. مكافحة ندرة المياه (Water Scarcity):
هذا هو التطبيق الأكثر ارتباطاً بالخلفية الإنسانية للبروفيسور ياغي. لقد نجح فريقه في تطوير أجهزة تستخدم MOFs لالتقاط المياه من هواء الصحراء الجاف (Harvest Water from Desert Air).
ب. عزل وتخزين الغازات (Gas Capture and Storage):
تُعتبر MOFs سلاحاً قوياً في مكافحة تغير المناخ.
ج. التحفيز الكيميائي والتوصيل الكهربائي (Catalysis and Electrical Conductivity):
قصة حياة البروفيسور عمر ياغي هي مثال حي على أن الإرادة والعزيمة تتغلبان على شح الموارد.
إن فوز البروفيسور عمر ياغي وزميليه بجائزة نوبل للكيمياء 2025 عن تطوير الأطر المعدنية العضوية (MOFs) يمثل نقطة تحول في علم المواد. هذه المواد المسامية، التي تُبنى كـ “شبكات” من أيونات معدنية وجزيئات عضوية، فتحت الباب أمام تطبيقات غير مسبوقة: من إنقاذ المجتمعات من العطش عبر حصاد المياه من الهواء، إلى تنقية الغلاف الجوي من ثاني أكسيد الكربون السام. هذا العمل لا يمثل إنجازًا نظريًا فحسب، بل يوفر أدوات عملية لمواجهة أشد التحديات التي تواجه البشرية في القرن الحادي والعشرين.
قصة العالم عمر ياغي هي رسالة أمل قوية ومُلهمة. إنها تذّكر بأن النقص في الموارد المادية يمكن أن يتحول إلى قوة دافعة للإبداع والابتكار الذي يخدم الإنسانية جمعاء. من غرفة بسيطة في الأردن تعاني من شحّ المياه، انطلق عالمٌ ليُنشئ مواد جزيئية واعدة بتوفير المياه النظيفة للعالم. هذا التكريم هو فخر للأردن، وفخر لفلسطين، وفخر للعلم العربي بأكمله، ويؤكد أن الإصرار والعلم هما الجسر الحقيقي نحو بناء مستقبل أفضل وأكثر استدامة.
ضوء كمومي مضغوط فائق السرعة: اختراق علمي يفتح آفاقاً جديدة للاتصالات المشفرة بسرعات "البيتاهرتز" على…
مُنحت جائزة نوبل في الفيزياء لعام 2025 (Nobel Prize in Physics 2025) لثلاثة من أبرز…
تُعد مملكة دلمون واحدة من أقدم الممالك الحضارية في تاريخ الشرق الأدنى القديم، والتي ازدهرت…
الفرامل الخفية لـ "جيش المناعة": اكتشاف الخلايا التائية التنظيمية يفتح آفاق علاج أمراض المناعة الذاتية…
السواقي المنسية: مصر تُحيي تراث الألفي عام لتوليد الكهرباء النظيفة.. طاقة المستقبل بين جنبات الماضي…
في سابقة تُعدّ مثالاً صارخاً على تداخل السياسة بالصحة العامة، أثار الرئيس الأمريكي السابق دونالد…