الأمراض النفسية ما زالت غامضة حتى عصرنا هذا، وهذا ما يجعل الأطباء عمومًا، والأطباء النفسيين خصوصًا، عرضة للوقوع في الخطأ خلال التشخيص للمريض. وهناك العديد من المحاولات للتأكد من صحة التشخيصات، ولمحاولة فهم ماهية السلوك “الغير طبيعي”. من خمسينات القرن الماضي بدأ النهج الطبي باستخدام الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders). الذي استخدِم بغرض تحديد السلوك الطبيعي عن غير الطبيعي. ولكن في ستينيات القرن الماضي بدأ العديد من الأطباء بنقد النهج الطبي. أحدهم كان دايفيد روزينهان الذي قام بدراسة لإثبات انتقاده لهذا النهج. [1]
محتويات المقال :
كانت تجربة روزينهان من التجارب التي أجريت لتحديد صحة التقييم النفسي. تظاهر المشاركون فيها بالهلوسة لدخول المستشفيات النفسية، ولكنهم تصرفوا بشكل طبيعي بعد ذلك. وبالرغم من هذا، تم وصف أدوية مضادة للذهان لهم. أجرى الدراسة البروفسيور دايفيد روزنهان ونشر دراسته في مجلة العلوم عام 1973 بعنوان “أن تكون عاقلًا في أكثر الأماكن جنونًا.
هدف هذه الدراسة كان اختبار الفرضية التي تقول بأن الأطباء النفسيون لا يستطيعون التمييز بشكل موثوق بين العقل والجنون. كان يهدف بشكل رئيسي إلى معرفة ما إذا كانت الخصائص الظاهرة التي تؤدي للتشخيص تكمن في المرضى أنفسهم، أم في البيئات والظروف المحيطة التي يوجد المريض فيها. كما أراد أيضًا أن يرى المشفى من وجهة نظر المريض. [1]
وقسم روزينهان دراسته إلى مرحلتين.
حاول مجموعة من الأشخاص الغير مريضين نفسيًا، وبلغ عددهم 8 أشخاص، الدخول إلى 12 مستشفى مختلفًا في خمس ولايات مختلفة. تنوعت المستشفيات من القديم إلى الجديد، بعضه يملك نسبًا جيدة من الموظفين والبعض الآخر يعاني من نقص في الموظفين. كما تنوع المرضى الزائفون في الجنس و الأعمار والمهن، وكان من بينهم روزينهان نفسه.
اتصل المشاركون بالمستشفى لتحديد مواعيدهم .وذكروا في التقييم النفسي الأولي أنهم يسمعوون أصوات غريبة من نفس جنسهم تقول كلمات مثل (فارغ، أجوف) .اختيرت هذه المفردات بعناية لتشابهها مع أعراض الأزمات الوجودية (انعدام المعنى للحياة). قاموا بإعطاء المستشفى أسماء مستعارة ومهن مختلفة وأعراض وهمية، ولم يكن لأي منهم تاريخ سابق في السلوك المرضي. [2]
تم توجيه المشاركين ليتصرفوا بشكل طبيعي في حال تم قبولهم، وتم قبول الجميع في المستشفيات جميعها. وبالرغم من أن أعراضهم متطابقة، تم تشخيص سبعة منهم بالفصام، وواحد مصاب بالذهان الهوسي الاكتئابي، وهو التشخيص الذي حصل عليه في المستشفى الخاص وهو مرض أخف وطئًا من الفصام “الشيزوفرينيا”. بقي المشاركون مدة تتراوح بين 7 أيام إلى 52 يومًا، وخرجوا جميعًا عدا شخص واحد، بتشخيص الفصام ولكنه بحالة هدوء. الأمر الذي اعتبره روزينهان دليلًا على أن المجتمع ما زال ينظر للمرض العقلي على أنه حالة لن يتعافلى فيها المريض، وسيكون وصمة عار له طول حياته. [2]
في الدراسة الثانية استخدم روزينهان مستشفى مشهور في مجال البحث العلمي كان قد سمع مسبقًا بنتائج دراسة روزينهان الأولى وادعى طاقمه أنه لن يحصل سوء التشخيص في هذا المشفى. ولذلك اتفق معهم روزينهان بأنه سيقوم خلال الشهور الثلاثة القادمة بإدخال مرضى وهميين إلى هذا المشفى، وسيقوم الموظفون بتقييم الشخص إن كان مريضًا حقيقيًا أم محتالًا. من بين 193 مريضًا، تم اعتبار 41 مريضًا محتالين، و42 آخرين كانوا مشتبه بهم. في الواقع لم يرسل روزينهان أي مريض محتال بينهم، أي جميع الذين اشتبه بهم الموظفون بأن يكونوا محتالين كانوا مرضى عاديين. واستنتج بأن أي عملية تشخيص تقودنا لارتكاب أخطاء جسيمة مثل هذه لا يمكن الوثوق بها. [2]
في التجربة التي شارك بها المرضى الوهميون، لاحظ جميع المشاركين بأن الأطباء والموظفون بالكاد أعاروهم أي اهتمام. قام ستة مشاركين بقياس مدى تفاعل الموظفون معهم خلال مدة 129 يومًا من الدراسة، وتراوح التواصل اليومي بين المرضى والموظفين بين 3 إلى 25 دقيقة. إن غياب التواصل البصري والحوار مع المرضى يبين مدى تجاهل الموظفين للمرضى، وبالتالي يرفع من احتمالات وقوعهم في خطأ التشخيص. [3]
من أسباب تعرض الفرد لتفكك الشخصية أولًا الطريقة التي يعامل بها الموظف المريض، بالسلوك الخائف أو غير الواثق أو المتعالي على المريض سيقود به نحو التجنب وبالتالي لتفكيك الشخصية. ثاني الأسباب هو الترتيب الطبقي للمشفى العقلي، فالإدارة هي الأقل تفاعلًا مع المرضى، وهذا ما يقود الموظفين الأقل منهم إلى اتباع سلوكهم وتجاهل المرضى بدورهم. [2]
يقول روزينهان بأن ” الشعور الساحق بالعجز يغزو الفرد خلال تعرضه باستمرار لتفكيك شخصيته بسبب المصح العقلي” بالإضافة للتجاهل وغياب الثقة بين طاقم المشفى والمريض يتملك المريض شعور بأنه عاجز أمام أي شيء ومجبر على اتباع الأوامر. كما أفاد جميع المرضى الوهميين من تجربة روزينهان بأنه تملكهم شعور بغياب انسانيتهم وعجزهم عن مواجهة ذلك. [2]
أكد روزينهان بأن الوصم بالمرض ، كأن نقول “مجنون” أو مصاب بالشيزوفرينيا، هو ما يتعرض له المريض حتى بعد خروجه من المشفى يبقى موصومًا بمرضه وكأنه عار لمدى حياته. [2]
تم انتقاد التجربة من قبل العديد من العلماء والباحثين، قال سيمور كيتي بأن تصرف الموظفين هو السلوك الطبيعي لأي عامل في هذا القطاع. كما أشار آخرون أن اتفاق 7 من أًصل 8 حالات في التشخيص هو دليل الموثوقية للمشافي. [4]
يبقى لنا أن نتساءل بعد دراسات روزينهان كم من المرضى تم تشخصيهم بشكل خاطئ وكم من الأصحاء تم إدخالهم للمشافي العقلية التي تؤدي لجنونهم.
المصادر
1- demenzemedicinagenerale
2- oulu.fi
3- simplypsychology
4-wikipedia
5- integratedsociopsychology
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…