إن اضطرابات نسيج كوننا المتموجة، أو الأمواج الثقالية، أقرب إلينا مما قد تتوقع. ففي كل مرة تستقل فيها سيارتك وتسرع إلى عملك، أو تقلع بك الطائرة نحو وجهتك، فإنك –بطريقة ما- تجعل نسيج الكون يضطرب من حولك. ولا يتعلق الأمر بتكنولوجيا السيارات أو الطائرات الحديثة أو عملك حتى، بل بالفيزياء، كتلتك وتسارعك تحديدًا. فنظريًا، يقدر كل جسم متسارع على توليد أمواج جذبوية في نسيج المكان-الزمان لامتلاكه كتلة تؤثر فيه. إلا أن هكذا أمواج غير قابلة للرصد لضآلتها. بينما تنتج الأمواج المرصودة عن أحداث أكثر عنفًا، نجدها بعيدًا خارج مجموعتنا الشمسية. فما أهم مصادر وأنواع الأمواج الثقالية المرصودة؟
اتضح مؤخرًا أن كوننا مليء بأجسام تستطيع، بكتلها الهائلة وتسارعها الكبير، أن توّلد أمواجًا ثقالية قوية بما يكفي لنرصدها. ويتضمن ذلك أزواجًا من الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية تدور حول بعضها استعدادًا لالتحامها. إلى جانب نجوم ثقيلة تنفث رمقها الأخير في انفجارات المستعر الأعظم. وقد صنف علماء مرصد لايغو أنواع الأمواج الثقالية في أربع مجموعات اعتمادًا على مصدرها: مستمرة، لولبية ثنائية النظام، عشوائية، ومتفجرة. وتتسم كل مجموعة منها بخصائص مميزة ونمط معين من الإشارات المرصودة.
محتويات المقال :
يعتقد العلماء أن «الأمواج الثقالية المستمرة- Continuous gravitational waves» تصدر عن جسم فلكي ثقيل يدور حول نفسه وحيدًا، مثل نجم نيوتروني. ويشترط وجود عيب في شكل هذا الجسم، كأن يكون غير كروي تمامًا، ليولد حوله أمواجًا ثقاليةً أثناء دورانه. فإذا بقيت سرعة دوران النجم حول نفسه ثابتةً، حافظت الأمواج الثقالية التي يصدرها على تردد وسعة ثابتين “باستمرار”، مثل مغنًّ يستمر بغناء نوطه وحيدة.
وقد حوّل باحثو مرصد لايغو موجة جاذبية مستمرة إلى مقطع صوتي قصير، كتوضيح لما كانت ستبدو عليه تلك الموجة لو أنها موجة صوتية:
صنفت جميع الأمواج الثقالية المرصودة حتى الآن في مجموعة «الأمواج الثقالية اللولبية ثنائية النظام-Compact Binary Inspiral gravitational waves». تصدر هذه الأمواج عن أنظمة ثنائية من النجوم الكثيفة (الثقوب السوداء والنجوم النيوترونية). حيث يدور فيها نجمان كثيفان حول بعضهما ويقتربان قبل أن يندمجا، مطلقين أمواجًا ثقاليةً. كما تصنف الأنظمة الثنائية السابقة في ثلاث مجموعات فرعية:
وفي حين يولّد كل زوج سابق نمطًا مختلفًا من الأمواج الثقالية، تكون آلية التوليد ذاتها في المجموعات الثلاثة، وتسمى «الدوران اللولبي-Inspiral» (اقتراب جسم من جسم آخر أثناء الدوران حوله، فيرسم مسارًا أشبه باللولب).
يحدث الدوران اللولبي على مدى ملايين السنين عندما يدور زوجان من النجوم الكثيفة حول بعضهما. وأثناء ذلك، يصدر الثنائي أمواجًا ثقاليةً تحمل معها بعضًا من طاقة النظام المدارية، فيدوران أقرب فأقرب حول بعضهما. ثم نتيجةً لاقترابهما، تزداد سرعة دورانهما، فيصدران أمواجًا أقوى، ويخسران نتيجة ذلك طاقة مداريةً أكبر. وكلما اقتربا أكثر، يدوران أسرع، ويخسران طاقةً أكبر، فيقتربان مجددًا… وهكذا في رقصة كونية متسارعة لا مهرب منها.
يشبه الأمر إلى حد ما تلك الدورة السريعة التي يؤديها متزلجو الجليد. فلنتخيل أن ذراعي المتزلج المفرودتان هما نجمان نيوترونيان مثلًا، ولنعتبر أن جسد المتزلج هو قوة الجاذبية التي تضمهما معًا أثناء الدوران. الآن، عندما يقرّب المتزلج ذراعيه من جسده (عندما يدور النجمان أقرب فأقرب)، يدور المتزلج أسرع فأسرع. ولكن على عكس المتزلج، لا يمكن للنجوم النيوترونية أو الثقوب السوداء أن توقف رقصتها. فتستمر بإصدارها أمواجًا ثقاليةً واقترابها من بعضها دون توقف، إلى أن يصطدم الجسمان ويلتحمان معًا.
صممت أجهزة مرصد لايغو لرصد نطاق معين من ترددات الأمواج الثقالية، مثلما تكون الأذن البشرية حساسة لترددات صوتية معينة. أي أن لايغو لا يستطيع رصد أي ترددات جذبوية تقع خارج هذا النطاق (كأن تكون أعلى أو أخفض). ولكن بما أن النجمين يتسارعان باستمرار، سيصلان في لحظة ما إلى حد يصدران عنده أمواجًا قابلة للرصد.
وغالباً ما تَصدر الترددات المرصودة فترةً وجيزةً. ويعتمد ذلك أساسًا على كتلتي الجسمين الدوارين. فالأجسام الثقيلة، كالثقوب السوداء، تجتاز نطاقها المرصود بسرعة ولا تلبث فيه طويلًا، على عكس الأجسام الأخف كالنجوم النيوترونية. مما يعني أن إشارات اندماج ثقبين أسودين تكون أقصر بكثير من إشارات اندماج نجمين نيوترونيين في مرصد لايغو. مثلًا، أصدر أول زوج من الثقوب السوداء المندمجة إشارة طولها 0.2 ثانية فقط. بينما أصدر أول زوج نيوتروني مندمج عام 2017 إشارة استمرت أكثر من 100 ثانية.
يوضح الفيديو التالي ما ستبدو عليه موجة اندماج ثقبين أسودين لو أنها كانت موجة صوتية:
وهنا صوت اندماج نجمين نيوترونيين بنفس التقنية السابقة:
من الممكن أن تمر عدة أمواج ثقالية متباينة من الأرض في اللحظة ذاتها، فترصدها الأجهزة كإشارات مبهمة. لذلك يتوقع فلكيو لايغو مرور أمواج صغيرة في الوقت ذاته، واختلاطها سويةً بشكل عشوائي تمامًا، مشكلةً ما يعرف ب«الأمواج الثقالية العشوائية-Stochastic gravitational waves». تأتي مركبّات هذه الأمواج من كافة أنحاء الكون، وسميت بالعشوائية لأن إشاراتها ذات نمط عشوائي، يمكن للعلماء تحليله ودراسته، ولكن يصعب عليهم تحديد مصدره بدقة. كما يعد هذا النوع من أصغر أنواع الأمواج الثقالية وأصعبها رصدًا، ويعتقد العلماء أن جزءًا منه نتج عن الانفجار العظيم
إن البحث عن «الأمواج الثقالية المتفجرة-Burst gravitational waves» أشبه بالبحث عن إبرة في كومة قش، دون أن تعرف ما هي الإبرة، ودون التأكد من وجودها هناك حتى. ذلك لأن لايغو لم يرصد أيًا منها حتى الآن، ولأننا لا نعلم عما نبحث! فعلى سبيل المثال، لا يفهم العلماء فيزياء بعض الأنظمة الفلكية بما يكفي ليتنبؤوا بنمط الأمواج الثقالية التي قد تصدرها.
لا تزال هذه المهمة شبه مستحيلة، ولكنها كفيلة –إن تحققت- أن تكشف معلومات ثورية عن كوننا، فهي –بذلك- تستحق المحاولة!
إن القدرة على تسجيل نمط جديد من النشاط في دماغ الشخص من شأنه أن يسمح…
في عام 1883، طرح الفيلسوف فريدريش نيتشه مفهوم "الإنسان الأعلى" (Übermensch) في كتابه "هكذا تكلم…
لقد أحدث مفهوم وكيل الذكاء الاصطناعي ضجة في عالم التكنولوجيا، مما يعد بإحداث ثورة في…
عقلك، وهو عبارة عن شبكة معقدة من الأفكار والمعتقدات، ولكنه يعمل حاليًا ببرنامج قديم. لقد…
تم اكتشاف خزان ضخم من الهيدروجين، والذي قد يشكل مصدراً محتملاً للطاقة النظيفة، تحت سطح…
لقد تم اكتشاف تمثال نصفي لكليوباترا في مدينة تابوزيريس ماجنا المصرية القديمة، مما أثار جدلاً…