تحدثنا في مقالٍ سابقٍ (هنا) عن الأبجدية المتعلقة بالبحث العلمي، كيف ينطلق الباحث في المجال الطبي من الفكرة مرورًا بإجراء التجارب ووصولًا إلى كتابة الورقة البحثية ونشرها. في هذا المقال سوف نتحدث عن أقسام الورقة البحثية ومكوناتها. فالورقة البحثية وثيقة شديدة التنظيم، هنالك قواعد معينة لكتابتها، مما يعني وجود قواعد لقراءتها أيضًا، وليس الأمر بالصعوبة التي تتخيلها. وهو أمر بالغ الأهمية، فلا يستقيم للمرء قراءة أي ورقةٍ بحثيةٍ دون معرفة الأساسيات والأقسام التي تتألف منها.
محتويات المقال :
هو أول ما تقع عليه العين في الورقة البحثية، فعدد من يقرأ العنوان فقط أكبر بكثير ممن يقرأ الورقة كلها. لذا يجب انتقاء مفرداته بعناية، وصياغته بشكل جيد ومعبرٍ وواضح، بحيث يصف موضوع الورقة بدقةٍ وإيجاز. إذًا يمكننا تعريف العنوان الجيد بأنه “العنوان الذي يصف محتوى الورقة في أقل عدد ممكن من المفردات في غير إسهاب أو اقتضاب”.
عند قراءة عنوان ورقة ما، على القارئ أن يسأل نفسه، هل ذُكر في العنوان إجراءٌ أو تشخيصٌ ما، أو تعَرّض لمادة أو لممارسة معينة؟ وما هي النتيجة أو المخرجات؟ لا تقلق، أعلم تمامًا أن الكلام هنا غير مفهوم تمامًا وهذا أمر عادي، سنأخذ مثالًا صغيرًا للتوضيح.
لنأخذ العنوان الآتي:
“Gingko Biloba extract improved cognitive and neurological functions of acute ischemic stroke, a randomized controlled trial.”
الإجابة عن السؤال الأول المطروح أعلاه تكمن في الكلمات الثلاث الأولى، Gingko Biloba extract، وتعني خلاصة نبتة الجينكو بيلوبا، وهي ما سيتعرض له المشاركون في التجربة. أما المُخرج أو النتيجة هو تحسن الوظيفة الإدراكية والعصبية cognitive and neurologic function. أما كيف قيست النتائج وقُيمت فغير مهم وجودها في العنوان، لكن المهم هو القدرة على معرفة ماهية الإجراء المتبع (أو ما يسمى التَعرض Exposure) والنتيجة (Outcome) من خلال العنوان.
هو النسخة المصغرة عن الورقة البحثية، يحتوي على الأفكار الأساسية الموجودة في الورقة، مختصرةً وبعيدةً عن التفصيل. الجميل في الأمر أنه يوفر عليكم عناء قراءة الورقة كلها، فكل ما عليكم هو قراءة الملخص، لتقرروا فيما بعد إن كانت هذه الورقة هي ما تبحثون عنه أم لا، بالإضافة إلى كونه مجانيًا ومتوفرًا دون عوائق الدفع أو الاشتراك في المجلات.
يختلف الملخص في شكله ومحتواه باختلاف المجلة، لكنه عمومًا يعطيكم فكرة عن أهمية الموضوع الذي تتطرق له الورقة، بالإضافة إلى المنهجية وتصميم التجارب، والنتائج والاستنتاج الأخير.
هذا الجزء فيه إجابةٌ عن أسئلةٍ مهمة، لماذا نجري هذه الدراسة في المقام الأول؟ ما أهمية هذه الورقة وما الذي تضيفه؟ ما هي الفرضية التي تقوم عليها؟ فالمقدمة إذًا تعرض طبيعة المشكلة وأبعادها، توضح أهمية الدراسة وهدفها والغرض منها، تقدم تعريفًا عامًا عن الموضوع المدروس ولمحة عن المحتوى العلمي الحالي، بشكل يدعم الأسئلة التي تطرحها الدراسة.
لأكون صريحًا معكم، هذا هو الجزء الذي اعتدت تجاوزه عند قراءة أي ورقة! ولن أبالغ إن قلت لكم أن معظم الناس تقوم بذلك أيضًا! لكن قسم المنهجيات من أهم أقسام الورقة البحثية ، فهو يوضح لكم طبيعة الأشخاص المشاركين في التجربة وفئاتهم العمرية وحالتهم الصحية، ولماذا ضممناهم إلى التجربة (معايير الاختيار)، ما الأدوات والأجهزة التي استخدمت في القياسات والتحاليل المختلفة، كيف أُخذت العينات (طريقة الاعتيان)، وما الطريقة الإحصائية المتبعة، والاعتبارات الأخلاقية والتصاريح أو الموافقات الرسمية في حال تطبيق التجارب على البشر.
هذا القسم إذًا يتضمن تفصيلًا للإجراءات المتبعة والمنهجية المستخدمة خلال مراحل التجربة. فهو يهدف إلى إعطاء تفاصيل نظرية دقيقة بحيث يتمكن أي شخصٍ مدربٍ بشكل صحيح من إعادة التجارب بنفسه للوصول إلى نفس النتائج. فلا يجب أن يَترك هذا القسم مجالًا للتساؤل عن أي خطوة من الخطوات المجراة.
تبدو الأمور هنا مثيرة بعض الشيء.. يتضمن هذا القسم عرضًا للأرقام والمشاهدات التي توصلنا إليها من خلال القياسات والإحصائيات المجراة. يجب أن تُعرض النتائج والمخرجات كما هي، بحيادية تامة، بلا تعديل أو تحوير، وبدون تقديم افتراضات حولها أو مناقشتها، فهذا القسم للبيانات الخام فقط. يحتوي هذا القسم أيضًا على المخططات والرسوم البيانية التي تساعد على عرض النتائج.
وهو القسم الذي يعرض فيه الباحثون تفسيراتهم المحتملة حول النتائج التي وصلوا إليها وتكهناتهم حول ماهيتها ومعناها. لذا يجب الإشارة إلى أكثر النتائج أهمية دون المبالغة في تقدير أهميتها! وعلى الباحث أن يكون حذرًا في انتقاء عباراته واستخدام عبارات متواضعة مثل: “توحي/تدعم نتائج الدراسة إلى…” بدلًا من استخدام “تثبت/تؤكد نتائج الدراسة..” أو استخدام عبارات من قبيل: “من المحتمل” أو “من المرجح” عند الحديث عن نتائج دراسته أو إبداء رأيه فيها.
تعتبر الأقسام الأربعة السابقة مكونات نموذج IMRAD (وهو اختصار لـ Introduction, Methods, Results & Discussion)، وهو النموذج الأكثر شيوعًا واستخداما من قبل الدوريات العلمية. لكن تجدر الإشارة لوجود أقسام أخرى في الورقة البحثية مثل القسم الذي يلي العنوان حيث يُذكر فيه الكُتّاب Authors أي الباحثون المشاركون والمشرفون، وقسم آخر اختياري للشكر والتقديرات Acknowledges، حيث تذكر فيه المساهمات الصغيرة منها الكبيرة، وقسم المصطلحات والكلمات المفتاحية Terms and keywords، اختياري أيضًا. بالإضافة إلى الخاتمة Conclusion، حيث تتكون من بضعة جمل تظهر أهمية الدراسة من خلال ربطها بالأبحاث المستقبلية مثلًا.
يبقى أن نشير إلى أهمية ذكر المراجع References والمصادر التي اعتمد عليها الباحث، وهنالك أكثر من طريقة لإدراجها، إما في النص أو في الحواشي أو في قسم مخصص للمراجع. حيث ترتب وفق تسلسل ورودها في النص أو ترتيبًا أبجديًا، وهنا يطول الحديث عن طريقة توثيق الاقتباسات وقواعدها، مثل نمط الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)، ونمط شيكاغو (CSE)، والعديد من الأنماط الأخرى التي سنفرد مقالًا آخر للحديث عنها لاحقًا، لما للموضوع من أهمية كبيرة. حيث يفيد التوثيق في اعتراف الباحث والناشر بفضل العمل الأصلي المقتبس منه، وتمكين القارئ من الرجوع إلى المصدر الأصلي. كما يساهم في الإشارة بوضوح إلى مصدر أفكار الباحث وتوثيقها، وبذلك يتجنب سرقة أفكار الآخرين وانتهاك الأخلاقيات العلمية.
لقراءة المقال السابق
طريقك إلى فهم الأبحاث الطبية: كيف تُجرى الأبحاث؟
عندما يتعلق الأمر بحماية بشرتنا من التأثيرات القاسية لأشعة الشمس، فإن استخدام واقي الشمس أمر…
اكتشف فريق من علماء الآثار 13 مومياء قديمة. وتتميز هذه المومياوات بألسنة وأظافر ذهبية،وتم العثور…
ركز العلماء على الخرسانة الرومانية القديمة كمصدر غير متوقع للإلهام في سعيهم لإنشاء منازل صالحة…
من المعروف أن الجاذبية الصغرى تغير العضلات والعظام وجهاز المناعة والإدراك، ولكن لا يُعرف سوى…
الويب 3.0، الذي يشار إليه غالبًا باسم "الويب اللامركزي"، هو الإصدار التالي للإنترنت. وهو يقوم…
لطالما فتنت المستعرات العظمى علماء الفلك بانفجاراتها القوية التي تضيء الكون. ولكن ما الذي يسبب…