Ad

لقد وُلدت الكتابة في بلاد ما بين النهرين القديمة منذ حوالي ستة آلاف عام. وقد توصلت مجموعة من الباحثين إلى اكتشاف رائد يلقي ضوءًا جديدًا على أصول الكتابة المسمارية. حيث حدد الفريق سلسلة من الارتباطات بين التصاميم المنقوشة على الأختام الأسطوانية القديمة وبعض العلامات في الكتابة المسمارية الأولية التي ظهرت في مدينة أوروك حوالي 3000 قبل الميلاد.

ويركز البحث، الذي نُشر في مجلة (Antiquity)، على مدينة أوروك الواقعة فيما يعرف الآن بجنوب العراق. وقد كانت مركز مهم في بلاد ما بين النهرين خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد. حيث تم إنشاء الأختام الأسطوانية واستخدامها.

مدينة أوروك والأختام الأسطوانية

لقد كان سكان بلاد ما بين النهرين تجارًا وحرفيين ماهرين، يعيشون في مجتمعات معقدة تتطلب أنظمة اتصالات وحفظ للسجلات. وفي ظل هذه الخلفية ظهرت الحاجة إلى الكتابة.

ولعبت مدينة أوروك الواقعة في جنوب بلاد ما بين النهرين دوراً مهماً في هذه الرواية. باعتبارها واحدة من أقدم المراكز الحضرية، كانت أوروك مركزًا للنشاط التجاري والثقافي، حيث مارست نفوذها على منطقة شاسعة امتدت من جنوب غرب إيران إلى جنوب شرق تركيا.

في هذه المنطقة، تم إنشاء الأختام الأسطوانية. وعادة ما تكون مصنوعة من الحجر ومحفورة بسلسلة من التصاميم، ويتم دحرجة هذه الأسطوانات على ألواح طينية، مما يترك نسخة مطبوعة من التصميم. وبدءًا من منتصف الألفية الرابعة قبل الميلاد، استُخدمت الأختام الأسطوانية كجزء من نظام حسابي لتتبع إنتاج وتخزين ونقل السلع الاستهلاكية المختلفة، وخاصة المنتجات الزراعية والنسيج.

الكتابة المسمارية البدائية

وفي سياق نظام الحساب، ظهرت الكتابة المسمارية البدائية. وهي شكل قديم من أشكال الكتابة يتألف من مئات العلامات التصويرية، التي لا يزال أكثر من نصفها غير مفهوم حتى يومنا هذا. ومثلها كمثل الأختام الأسطوانية، كانت الكتابة المسمارية البدائية تستخدم في الحساب، وإن كان استخدامها موثقاً في المقام الأول في جنوب العراق.

لقد تم الاعتراف منذ فترة طويلة بالعلاقة الوثيقة بين الأختام القديمة واختراع الكتابة في جنوب غرب آسيا، ولكن العلاقة بين صور الأختام المحددة وأشكال العلامات لم يتم استكشافها إلا بشكل ضئيل. فهل ساهمت صور الأختام بشكل كبير في اختراع العلامات في أول كتابة في المنطقة؟

أصول الكتابة المسمارية

للكشف عن الروابط بين الأختام الأسطوانية والنص المسماري البدائي، شرع الباحثون في مقارنة التصميمات الموجودة على الأسطوانات مع العلامات المسمارية الأولية. وكانت هذه المقارنة تبحث عن علاقات قد تكشف عن علاقات مباشرة في كل من الشكل الرسومي والمعنى.

لقد ركزوا على صور الأختام التي نشأت قبل اختراع الكتابة، بينما استمرت في التطور إلى فترة ما قبل الكتابة. وقد سمح لهم هذا النهج بتحديد سلسلة من التصاميم المتعلقة بنقل المنسوجات والفخار، والتي تطورت لاحقًا إلى علامات مسمارية بدائية مقابلة.

ومن خلال فك الشفرة، أثبت الباحثون أن التصميمات المنقوشة على الأختام الأسطوانية ألهمت بشكل مباشر تطور الكتابة المسمارية الأولية في جنوب العراق. حيث تشير العلاقة بين تصميمات الأختام والعلامات المسمارية الأولية إلى أن سكان بلاد ما بين النهرين القدماء لم يبتكروا الكتابة من الصفر. وبدلاً من ذلك، استوحوا الإلهام من الصور الموجودة على الأختام الأسطوانية، وقاموا بتكييفها وتعديلها لإنشاء أول لغة مكتوبة.

تأثير الكتابة على تاريخ البشرية

لا يمكن المبالغة في تقدير تأثير الكتابة على تاريخ البشرية. ومن خلال الكتابة، تمكن البشر من تسجيل أفكارهم وقصصهم وتاريخهم، مما سمح بالحفاظ على المعرفة ونقلها عبر الأجيال.

إن عالماً حيث التقاليد الشفهية هي الوسيلة الوحيدة لنقل المعلومات هو عالم مرعب. فقد يؤدي فقدان رجل حكيم واحد إلى فقدان التاريخ والممارسات الثقافية بأكملها. لقد غيرت الكتابة ذلك، حيث مكنت البشر من البناء على معرفة أسلافهم وتحقيق اكتشافات جديدة.

كما سمح اختراع الكتابة بتطور المجتمعات المعقدة، مما مكّن من إدارة المدن والتجارة والحكم. وبدون الكتابة، ربما لم تكن الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين ومصر واليونان لتزدهر كما فعلت.

اليوم، تظل الكتابة جانبًا أساسيًا من حياتنا اليومية، بدءًا من منشورات وسائل التواصل الاجتماعي إلى الأوراق الأكاديمية، ومن المقالات الإخبارية إلى الروايات. إن اكتشاف جذور الكتابة في بلاد ما بين النهرين القديمة هو شهادة على قوة براعة الإنسان وإبداعه. إنه تذكير بأهمية الحفاظ على تراثنا الثقافي المشترك وتكريمه.

المصادر

Designs on ancient stone cylinders correspond to origin of writing in Mesopotamia, researchers discover | phys.org

Seals and signs: tracing the origins of writing in ancient South-west Asia | Antiquity

اضغط هنا لتقييم التقرير
[Average: 0]

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


تاريخ

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 440
الملف الشخصي للكاتب :

التالي

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *