...
Ad

في إنجاز رائد، حطمت مركبة فضائية جميع الأرقام القياسية لتصبح أسرع جسم صنعه الإنسان على الإطلاق، حيث سجلت سرعة مذهلة تبلغ 10,587 كيلومترًا في الدقيقة. تم إنجاز هذا العمل المذهل بواسطة مسبار باركر الشمسي (Parker Solar Probe) التابع لناسا، والذي حلق عبر هالة الشمس، وهو الغلاف الجوي العلوي للشمس، على بعد 6.5 مليون كيلومتر (4 ملايين ميل) فقط من سطحه. تم تسجيل السرعة القصوى للمسبار خلال مروره السابع عشر حول الشمس في عام 2023. ولوضع هذه السرعة المذهلة في منظورها الصحيح، سيستغرق المسبار 22 ثانية فقط للسفر من مدينة نيويورك إلى لوس أنجلوس. أو ما يزيد قليلاً عن 36 دقيقة للوصول إلى القمر من الأرض. يقف وراء هذا الإنجاز الرائع العلماء والمهندسون المتفانون من وكالة ناسا، بقيادة مدير تصميم المهمة والملاحة يانبينغ غو من مختبر الفيزياء التطبيقية بجامعة جونز هوبكنز.

كشف أسرار الشمس الحارقة

يعد التعمق في قلب الشمس مهمة شاقة، لكن فهم أسرارها كان مسعى طويل الأمد للعلماء. الشمس هي حجر الزاوية في نظامنا الشمسي، وطاقتها هي مصدر الحياة على الأرض. ومع ذلك، تظل طرق عمل الديناميكيات الداخلية للشمس محاطًا بالغموض. وتتمثل مهمة مسبار باركر الشمسي في كشف هذه الأسرار من خلال استكشاف هالة الشمس (corona)، وهو الغلاف الجوي الخارجي الذي يحيط بالنجم.

الهالة هي منطقة شديدة الحرارة والطاقة، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى ملايين الدرجات المئوية. وهذا يتناقض بشكل صارخ مع سطح الشمس، الذي تبلغ درجة حرارته 5500 درجة مئوية أكثر برودة نسبيًا. هذه المعضلة حيرت العلماء لعقود من الزمن. لماذا الهالة أكثر سخونة من السطح؟ وما الذي يدفع هذا الإطلاق الهائل للطاقة؟

تم تصميم مسبار باركر الشمسي للإجابة على هذه الأسئلة من خلال التحليق بالقرب من الشمس أكثر من أي مركبة فضائية من قبل. ومن خلال جمع البيانات حول المجالات المغناطيسية للهالة والبلازما والرياح الشمسية، يأمل العلماء في الحصول على فهم أعمق للديناميكيات الداخلية للشمس. لن تسلط هذه المعرفة الضوء على سلوك الشمس فحسب، بل ستوفر أيضًا نظرة ثاقبة حول تكوين النجوم وتطور نظامنا الشمسي.

نبذة تاريخية عن سرعة استكشاف الفضاء

تعد السرعة القياسية التي حققها مسبار باركر الشمسي بمثابة شهادة على سعي البشرية الحثيث لتجاوز الحدود في استكشاف الفضاء. ولكن كيف وصلنا إلى هنا؟ لفهم أهمية هذا الإنجاز، دعونا نعود خطوة إلى الوراء وننظر إلى تاريخ السرعة في استكشاف الفضاء.

في الأيام الأولى للسفر إلى الفضاء، كانت السرعات متواضعة نسبيًا. أول قمر صناعي، سبوتنيك 1، أطلقه الاتحاد السوفييتي عام 1957، وصلت سرعته إلى حوالي 27000 كيلومتر في الساعة. ومع تحسن تصميم المركبات الفضائية وأنظمة الدفع، زادت السرعات بشكل مطرد. في الستينيات، حققت بعثات أبولو التابعة لناسا سرعات تصل إلى 39897 كيلومترًا في الساعة للوصول إلى القمر.

وجاء الإنجاز الرئيسي التالي مع المركبة الفضائية هيليوس 2، التي تم إطلاقها في عام 1976، والتي وصلت سرعتها إلى حوالي 252.792 كيلومترًا في الساعة حيث حلقت على مسافة 27 مليون كيلومتر من الشمس. وكان هذا إنجازا رائعا، بالنظر إلى القيود التكنولوجية في ذلك الوقت.

في القرن الحادي والعشرين، وصلت المركبة الفضائية روزيتا التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، والتي تم إطلاقها في عام 2004، إلى سرعة تصل إلى 123 ألف كيلومتر في الساعة خلال مهمة مطاردة المذنب. والآن، حطم مسبار باركر الشمسي جميع الأرقام القياسية، حيث حقق سرعة غير مسبوقة بلغت 635,266 كيلومترًا في الساعة واصبح أسرع جسم صنعه الإنسان.

الرحلة الجريئة لأسرع جسم صنعه الإنسان

تم إطلاق مسبار باركر الشمسي في أغسطس 2018، وأثناء تحليق المسبار عبر الهالة، واجه درجات حرارة تزيد عن مليون درجة مئوية، وهو ما سيكون كارثيًا لأي مركبة فضائية عادية. ومع ذلك، تم تصميم مسبار باركر الشمسي بدرع حراري يتحمل درجات حرارة تصل إلى 1400 درجة مئوية. سمح هذا الإنجاز الهندسي المذهل للمسبار بجمع بيانات مهمة عن هالة الشمس، بما في ذلك مجالاتها المغناطيسية والبلازما والرياح الشمسية.

خلال رحلته، استخدم مسبار باركر الشمسي أيضًا جاذبية كوكب الزهرة لصالحه. ومن خلال التحليق بالقرب من الكوكب، تمكن المسبار من تسخير جاذبية كوكب الزهرة لضبط مساره واكتساب المزيد من السرعة. وسمحت هذه المناورة الذكية، المعروفة باسم مساعدة الجاذبية (Gravity assist)، للمسبار بالوصول إلى سرعته القياسية.

أسرع جسم صنعه الإنسان

كيف عزز كوكب الزهرة سرعة المسبار

لفهم العملية، دعونا أولا نفهم كوكب الزهرة. تبلغ كتلة كوكب الزهرة 0.3% فقط من كتلة كوكب المشتري، مما يعني أن جاذبيته أضعف بكثير. في البداية، شكك العلماء فيما إذا كانت جاذبية كوكب الزهرة يمكن أن توفر ما يكفي من المساعدة لإحداث فرق كبير. ومع ذلك، وجدت يانبينغ جو، مديرة تصميم المهمة والملاحة لمهمة مسبار باركر الشمسي، وفريقها طريقة لإنجاحها.

ومن خلال وضع المركبة الفضائية أمام كوكب الزهرة، غيرت جاذبية الكوكب مسار المسبار، مما أدى إلى تقليل سرعته بالنسبة للشمس بنسبة 10% وجعله أقرب إلى سطح الشمس. كانت مناورة مساعدة الجاذبية هذه حاسمة، لأنها سمحت للمسبار باكتساب السرعة دون استهلاك الكثير من الطاقة.

فكر في الأمر مثل لعبة صيد. وتمثل جاذبية كوكب الزهرة قوة سحب لطيفة، حيث قامت بتوجيه المسبار إلى مدار أضيق حول الشمس. وهذا بدوره سمح للمركبة الفضائية باستغلال الجاذبية الهائلة للشمس، مما أدى إلى شدها بشكل أكبر وتسريعها إلى سرعات لا تصدق.

تأثير مسبار باركر الشمسي

إن السرعة القياسية التي حققها مسبار باركر الشمسي ليست مجرد إنجاز هندسي مثير للإعجاب؛ وله آثار مهمة على فهمنا للكون وحياتنا اليومية. ومن خلال استكشاف الهالة الشمسية، كشف المسبار عن أسرار يمكن أن تحدث ثورة في قدرتنا على التنبؤ بالعواصف الشمسية والاستعداد لها، والتي يمكن أن تعطل أنظمة الاتصالات والملاحة على الأرض. وقد يؤدي هذا الاكتشاف في نهاية المطاف إلى تطوير تقنيات أكثر موثوقية وكفاءة تغذي عالمنا الحديث.

هذا المسبار يمهد الطريق لأنظمة إنذار مسبقة للتوهجات الشمسية، والتي يمكن أن تمنع انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع وتحمي البنية التحتية الحيوية لدينا. حيث تصبح تنبؤات الطقس في الفضاء أمرًا روتينيًا مثل التحقق من تقرير الطقس الصباحي، مما يسمح لنا بالتخطيط والتكيف بشكل أفضل مع الظروف الديناميكية لنظامنا الشمسي.

المصدر

The Fastest Human-Made Object Ever Could Cross The US In 22 Seconds | iflscience

سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.


فيزياء فضاء

User Avatar


عدد مقالات الكاتب : 298
الملف الشخصي للكاتب :

مقالات مقترحة

التعليقات :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Seraphinite AcceleratorOptimized by Seraphinite Accelerator
Turns on site high speed to be attractive for people and search engines.