تشير الحضارات التي تشكلت على ضفاف الأنهار إلى المدن التي تعتمد على الزراعة والتي تقع بجوار الأنهار وتستفيد منها كمصدر موثوق للمياه والشرب والزراعة. ومن هذه الحضارات مملكة إيمار التي تعد من الممالك القديمة التي ساهم وقوعها على ضفاف نهر الفرات في تطور وأزدهار المملكة آنذاك.
محتويات المقال :
موقع مملكة إيمار
تأسست إيمار في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد وكانت تقع على ضفاف نهر الفرات. حيث كانت مركزًا تجاريًا مهمًا في عصر البرونز، وتحتل موقعًا حيويًا بين مراكز القوة في الجزيرة العليا وأناضوليا-سوريا.
بالإضافة إلى أنها كانت مرتبطة بالعالم القديم الأكبر من خلال القوة الحثية، التي كانت مقرها النهائي في أناضوليا، والتي تمثلت في سوريا من خلال مملكة كركميش.
اكتشاف المملكة
في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، شكلت إيمار مركزًا مهمًا للمملكة الحيثية في مواجهة الآشوريين، بحيث كان ملك إيمار تابعًا لملك كركميش الذي كان بدوره قريبًا وتابعًا للملك الحثي.
فقد تم اكتشاف إيمار عام 1972 من قبل بعثة المعهد الفرنسي للدراسات العربية في دمشق ضمن حملة الإنقاذ الدولية لحوض الفرات.[1]
تسمية الموقع
حملت هذه المدينة تسميات عدة. وكان أقدم ذكر لها في النصوص المسمارية هو (إيمار). في حين ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان باسم (باليس)، وأشار إلى أنها بلدة صغيرة. وقد ذكرها الأراميون باسم (بيت_بالس)، وباسم ( بارباليسوس) في العهد الكلاسيكي.[1]
إيمار في النصوص القديمة
لقد ورد اسم إيمار في العديد من النصوص والوثائق الكتابية المكتشفة في بلاد ما بين النهرين وشمال سورية، كما ورد اسمها في قائمة المدن التي نجدها مكتوبة على جدران معبد الكرنك من عهد تحوتمس الثالث. وتتحدث بعض الرُقم المكتشفة في إيبلا عن هدايا من الأثواب والمنسوجات قدمت لكبار رجال المدينة.
ويرد ذكر إيمار في نصوص ماري وأوغاريت اللذان يعودان إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد. إلا أن الوثائق الأكثر أهمية هي التي تم العثور عليها في إيمار نفسها. والتي قدمت صورة متنوعة عن النشاطات التي كانت تجري داخل المدينة وخارجها.[2]
حكام مملكة إيمار
الحكام في إيمار كانوا يتبعون النظام الملكي، وأن النصوص التي تتحدث عنهم تقدم أسماء بعض الحكام ولقبهم الملكي “لوغال” ويمكن القول ومن خلال بعض النصوص المكتشفة أن السلطة فيها لم تكن مطلقة بيد الملك بل كانت هناك سلطة معبد ورجال دين. وهي التي كانت تشرف على أراضي زراعية واسعة.
فقد كانت السلطة الفعلية والقرارات المهمة بيد ملوك كركميش. إذ كان حكام إيمار تابعين لهم في الأمور والقرارات وخصوصاً بالعلاقات الخارجية. وتؤكد المكتشفات أن حكام مملكة إيمار اهتموا بها وتعاملوا معها بخصوصية نظراً لموقعها الجغرافي المتميز وفي رصد تحركات القبائل البدوية على أطراف البادية السورية.
ووفقاً للنصوص المذكورة فقد ورد فيها أسماء ثلاثة من ملوكها وهم ( أب_ دامو)، (أشجي_دامو)، (روسي_دامو) وأحد أمرائها يدعى (شرسا_دامو).[5]
الحياة الدينية
كانت تمارس عبادة بعل وزوجته عشيرة، تمامًا كما كان يفعل الآراميون والفينيقيون القدماء. حيث كان بعل إلهًا للخصوبة والمطر والرعد، بينما كانت عشيرة إلهة للخصوبة والأمومة. تأتي الأدلة على ذلك من مصادر مختلفة، بما في ذلك الآثار الأثرية والنصوص القديمة مثل ألواح إيمار.
كما اكتشف أرشيف لجميع التراتيل التي كانت تنشد في حجرة العبادة أثناء تأدية الطقوس والمراسيم الدينية، فكانت الطقوس التي تصاحب تقديم الأضاحي والقرابين من حيوانات وخبز وشراب. كما وصفت الأعياد الدينية مثل عيد الذكر التي كانت تجري خارج المدينة وتدوم عدة أيام. وكان الإله داجان هو الإله الرئيسي في هذا العيد. كما كان هناك عيد العرش الذي كان يقام في المعبد.[4]
الحياة الإقتصادية
اعتمدت الحياة الاقتصادية في مملكة إيمار على الزراعة والتجارة وتربية الماشية. فقد كانت زراعة الحبوب النشاط الزراعي الأهم في المجتمع في عصر البرونز المتأخر.
أما بالنسبة للتجارة كانت تقع على طريق التجارة الرئيسي بين الجزيرة العليا وأناضوليا. وتم العثور على العديد من النصوص التجارية في إيمار، والتي تشير إلى وجود تجارة بين إيمار ومملكتي ماري وإبلا وبعض الممالك الأخرى المجاورة.[3]
مملكة إيمار وعلاقاتها التجارية
كانت مملكة إيمار تضم ميناءً تجارياً مهماً يعد عقدة مواصلات تربط بلاد الرافدين بالممالك التي تقع إلى الغرب منها عن طريق الفرات أو الطريق البري. وكانت السفن تفرغ حمولتها في هذا الميناء، ثم تنقل البضائع على الحمير أو الثيران إلى (حلب)، وعلى العكس كانت البضائع تُنقل من حلب وقطنة إلى إيمار بالأسلوب نفسه.
فقد تمتعت إيمار بعلاقات طيبة مع المدن المهمة في تلك الفترة. وخصوصاً إيبلا في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد، وماري التي كانت تنافس إيبلا على تمتين العلاقات الطيبة مع إيمار. تبعت إيمار مملكة يمحاض في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وأصبحت الميناء الرئيسي لها على نهر الفرات، ثم استولى عليها الحثيون عندما احتلوا حلب. وقضوا على مملكة يمحاض وذلك في مطلع النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد. وبقيت المدينة ذات موقع تجاري مهم على نهر الفرات حتى تم القضاء عليها عام 1187قبل الميلاد.[2]
أهم الاكتشافات الآثرية
من الأمور المهمة التي أسفرت عنها التنقيبات ظهور شواهد كثيرة من العمارة الدينية والمدنية، منها معابد مستطيلة الأبهاء وذات مدخل محوري، وبيوت ذات ثلاث غرف في بناء منتظم على المصاطب. كما عُثر على كثير من الأواني الفخارية والمذابح والأختام الأسطوانية وغيرها مما يجده الزائر متحف حلب معروضاً في جناح حوض الفرات.
بالإضافة إلى وجود بقايا عدة معابد ضمن المدينة وأهمها معبد بعل ومعبد عشتار اللذين توضعا في قلب المدينة، ويتألف مخطط المعبدين من قاعة كبيرة متطاولة الشكل ومخطط المعابد هنا متوافق مع ما هو سائد في سورية منذ الربع الأول للألف الثالث قبل الميلاد.
كما تميزت المملكة ببعض فنون النحت على الحجر بطريقة الصب كنحت التماثيل والأواني وبعض الصناديق المستطيلة التي عثر عليها بكميات كبيرة التي نقشت عليها أشكال متنوعة تمثل نساءً وطيوراَ وأشكالاً هندسية والتي تبين أهمية التصوير النحتي السوري.[5]
نهاية المملكة
مملكة إيمار تم نهبها وتدميرها من قبل شعوب البحر عام 1187 قبل الميلاد. وقد حدث هذا خلال فترة الاضطرابات التي عانت منها المملكة، وذلك بعد انهيار الإمبراطورية الحيثية.
وبدلاً من ذلك، تم إعادة توطينها، عندما كانت تحت السيطرة البيزنطية وظلت موجودة حتى القرن السادس الميلادي على الأقل، على الرغم من أنها أصبحت حالياً في حالة خراب.[1]
المراجع:
1. Historyfiles.com : syriaemar
2. Britannica : Emar
3. Encyclopedia.com : Emar
4.ancient.neareast.studies : Emar
5. Ancientneareast.com
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :