وسط الصخب الذي يحيط بنا من كل جانب، في العالم الرقمي متسارع الخطى، في دوامة المشتتات، تنمو حقيقة أن انتباه الفرد هو مورد محدودٌ وغالي. فما يجذب انتباهك يدفعك بدوره إلى وجهة ما. يقول الكاتب البريطاني أندرو سوليفان “أنت تكون حيث يكون انتباهك”.
وبسبب محدودية المورد (الانتباه البشري) وكثافة الأهداف والمعلومات التي يمكن لذلك المورد المحدود تلبيتها، نشأت مشاكل في إدارة ذلك المورد للاستخدام الصحيح له والاستفادة منه. ومن هنا نشأ مفهوم اقتصاد الانتباه.[1]
محتويات المقال :
«اقتصاد الانتباه-attention economy»
اقتصاد الانتباه هو نهج لإدارة المعلومات يتعامل مع الانتباه البشري كسلعة نادرة ويطبق النظرية الاقتصادية لحل مشاكل وإدارة المعلومات المختلفة.
من ذلك المنظور، يعرّف كل من Thomas H. Davenport و John C. Beck مفهوم الانتباه على النحو التالي:
“الانتباه هو تركيز المشاركة الذهنية على عنصر معين من المعلومات”. فإذا كان الانتباه هو السلعة، والمعلومات بوفرتها هي العنصر المستهلك لتلك السلعة (تتطلب معالجة المعلومات استهلاك جزء من الانتباه)، فإن اقتصاد الانتباه يدور حول إدارة المعلومات لتحقيق الاستهلاك الأمثل للانتباه.
يستفيد كل من باحثي ومصممي نظم المعلومات وتطبيقات البرمجيات من مفاهيم اقتصاد الانتباه سواء بشكل صريح أو ضمني. مثلًا عند تصميم واجهة المستخدم، فإن التصميم يُبنى على فكرة أنه إذا استغرق المستخدم وقتًا طويلاً لتحديد موقع شيء ما، فسيجده من خلال تطبيق آخر. فعلى ذلك الأساس يتم تحسين تصميم المواقع من خلال تصفية المعلومات غير الضرورية من على الموقع لتسهيل الوصول للأخرى الضرورية. و يتم أيضًا استخدام خوارزميات تحسين المحتوى المعروض على الموقع ليصبح مخصص أكثر ومتصل باهتمام الفرد.[2]
تاريخ ظهور المفهوم
وضع عالم النفس والاقتصادي هربرت سيمون نظرية اقتصاد الانتباه لأول مرةعندما كتب في1971م عن ندرة الانتباه في عالم غني بالمعلومات:
“في عالم غني بالمعلومات، تؤدي ثروة المعلومات إلى ندرة شيء آخر: ندرة كل ما تستهلكه هذه المعلومات. ما تستهلكه المعلومات واضح إلى حد ما: إنها تستهلك انتباه متلقيها. ومن ثم فإن الثروة في المعلومات تخلق فقرًا في الانتباه وتؤدي إلى الحاجة إلى إدارة هذا الانتباه بكفاءة بين الوفرة الزائدة لمصادر المعلومات التي قد تستهلكه.”
وأشار إلى أن العديد من مصممي أنظمة المعلومات عالجوا مشكلة التصميم لديهم بشكل غير صحيح على أنها ندرة المعلومات بدلًا من ندرة الانتباه. ونتيجة لذلك قاموا ببناء أنظمة تميزت في توفير المزيد والمزيد من المعلومات للناس، عندما كان المطلوب حقًا هو الأنظمة التي تميزت في تصفية المعلومات غير المهمة أو غير ذات الصلة.
كيف بدّل اقتصاد الانتباه شكل الحياة المعهود
أدى ازدهار المحتوى الرقمي في السنوات الأخيرة إلى صدام بين الشركات الكبرى للسيطرة: معركة من أجل جذب انتباهنا. يعبر ذلك الصدام والتنافس بين الشركات في الاستحواذ على انتباهنا عن اقتصاد الانتباه الحالي. حيث تسعى الشركات بأكثر الطرق الممكنة لجذب الانتباه وزيادة عدد المشاهدات أو زيادة فترة التصفح. فيكتسب في النهاية ذلك الحجم من المشاهدات أو الانتباه البشري الضخم قيمة تجارية يستفيد منها الشركات.
ولكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فمحاولات الشركات لتصيد الانتباه أدت بها إلى تعدِ حاجز حرية الفرد في اختيار ما يدفع انتباهه إليه. أدت بها إلى ما يعرف بسرقة الانتباه. تحدث سرقة الانتباه عندما تقوم إحدى الشركات بعرض إعلاناتها بدون مقابل بل ودون موافقة الأفراد على مشاهدة تلك الإعلانات. والأمثلة على ذلك كثيرة، فالشاشات الكبيرة اللي تعرض إعلاناتها في الطرق أو الإعلانات التي تظهر فجأة أثناء تصفح إحدى المواقع تعتبر من أمثلة سرقة الانتباه.[3]
نحن بلا شك أمام تحدٍ كبير للحفاظ على ملكيتنا العقلية في الانتباه إلى ما نختاره وعدم الانجرار إلى دوامة المحفزات البصرية التي تحاصرنا من كل جهة. فمن الضرورة الاهتمام بما نركز عليه اهتمامنا. وبالنهاية، لن يستطيع المرء إيقاف جريان النهر، ولكن بإمكانه التعلم كيفية السباحة فيه.
مصادر:
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :