لطالما كانت اللغة أداةً رائعة، تتيح للبشر تبادل الأفكار مع بعضهم البعض. في كثير من الأحيان، إذا ما استخدمت بوضوح ودقة، فإن اللغة تؤدي إلى انسجام العقول. كما أن اللغة أيضًا الأداة الّتي يقوم بها الأطباء النفسيون بتقييم المريض لعلاج الذهان أو اضطراباتٍ عقليةٍ معينة، بما في ذلك انفصام الشخصية.
ومع ذلك، تميل هذه التقييمات إلى الاعتماد على توافر مهنيين مدربين تدريبًا عاليًا وتسهيلاتٍ كافية. وهنا تدخل فريقٌ من « آي بي إم-IBM Research» يتألف من أعضاء في مجموعات الطب النفسي الحاسوبي والتصوير العصبي في.
لقد طوروا معًا «ذكاءًا اصطناعيًا-AI» قادرًا على التنبؤ بدقة بظهور الذهان لدى المريض، والتغلب على حواجز التقييم المذكورة أعلاه. نُشرت أبحاث حول الذكاء الاصطناعي المتنبأ بمرض الذهان في مجلة «World Psychiatry».
اعتمدت المجموعة على نتائج دراسة آي بي إم لعام 2015 والتي توضح إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي لنمذجة الاختلافات في أنماط الكلام للمرضى المعرضين لمخاطر عالية والذين طوروا في وقت لاحق الذهان وأولئك الذين لم يفعلوا ذلك. على وجه التحديد، حددوا كميًا مفاهيم “فقر الكلام” و “هروب الأفكار” على أنها تعقيد النحوية والتماسك الدلالي، على التوالي، باستخدام طريقة الذكاء الاصطناعي المعروفة باسم «معالجة اللغات الطبيعية-NLP».
ثم قام الذكاء الاصطناعي بتقييم أنماط الكلام الخاصة بالمرضى الذين طُلِلبَ منهم بالتحدث عن أنفسهم لمدة ساعة.
أضاف غييرمو تشيكي، الباحث الرئيسي ومدير مجموعات الطب النفسي الحاسوبي والتصوير العصبي في IBM Research:
“في دراستنا السابقة، تمكنا من بناء نموذج تنبؤي يدوي وصل إلى دقة 80%، ولكن الميزات الآلية حققت 100%.”
بالنسبة لدراستهم الجديدة، قام الباحثون بتقييم مجموعة أكبر بكثير من المرضى المنخرطين في نوعٍ مختلفٍ من الأنشطة الكلامية، وهو الحديث عن قصة قرأوها للتو. وقال تشيكي إنه من خلال تدريب الذكاء الاصطناعي الذي يتنبأ بمرض الذهان باستخدام ما تعلموه من دراسة 2015، تمكن الفريق من بناء نموذج استرجاعي لأنماط خطاب المريض.
وفقًا للدراسة، لم يتنبأ هذا النظام بالظهور النهائي لمرض الذهان لدى المرضى بنسبة دقة بلغت 83%. لو تم تطبيقه على المرضى من الدراسة الأولى، لَتنبأ الذكاء الاصطناعي بدقة 79% أيٌ من المرضى سيصاب في النهاية بمرض الذهان.
يمكن لهذه التقنية أن يساعد في النهاية أطباء الصحة العقلية وكذلك المرضى. كما كتب تشيكي في منشور لـ IBM Research يعود لعام 2017، فإن الأساليب التقليدية لتقييم المرضى غير موضوعي للغاية. يعتقد هو وفريقه أن استخدام الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي كأدوات لما يسمى الطب النفسي الحاسوبي يمكن أن يقضي على هذه المشكلة ويحسن فرص إجراء تقييمات دقيقة.
ليست هذه الدراسة الجديدة سوى واحدةٍ من جهود الطب النفسي الحاسوبي التي أجرتها شركة IBM Research. في وقت سابق من عام 2017، أجرى فريق تشيكي وباحثون من جامعة ألبرتا دراسةً من خلال مركز «آي بي إم ألبرتا للدراسات المتقدمة-IBM Alberta Center for Advanced Studies». وقد جمع هذا العمل بالذات تقنيات التصوير العصبي مع الذكاء الاصطناعي من أجل التنبؤ بالفصام عن طريق تحليل فحوصات دماغ المريض.
بالنسبة للدراسة الجديدة، يعتقد تشيكي أنه هذه خطوة مهمة نحو إتاحة التقييم النفسي العصبي لعامة الناس، ويمكن أن يؤدي التشخيص المحسن في بداية الذهان إلى تحسين العلاج.
وقال تشيكي:
“يمكن استخدام هذا النظام، على سبيل المثال، في العيادة. إن المرضى المعرضون للخطر يمكن أن يُشَخَصوا بسرعة وموثوقية بحيث يمكن تخصيص الموارد (الّتي تُعتبر محدودة دائمًا) لأولئك الذين يُرجّح أن يعانوا من أول حلقة من الذهان. يمكن للأشخاص الذين لا يمكنهم الوصول إلى عياداتٍ متخصصة إرسالُ عيناتٍ صوتيةٍ للتقييم عن بُعد من قبل الذكاء الاصطناعي الّذي يتنبأ بمرض الذهان.”
كما أضاف تشيكي بإن النهج لا يجب أن يقتصر على الذهان فقط. وقال:
“يمكن تطبيق أساليب مماثلة في ظروفٍ أخرى، على سبيل المثال، الاكتئاب.”
في الواقع، يستكشف الباحثون في IBM إمكانات الطب النفسي الحاسوبي للمساعدة في تشخيص وعلاج الحالات الأخرى، بما في ذلك الاكتئاب وأمراض الشلل الارتعاشي والزهايمر، وحتى الألم المزمن.
لقد أحدث الذكاء الاصطناعي ثورةً حقيقيةً في الطب، ومع وصول هذه الأنظمة المتقدمة إلى الاتجاه السائد، سندخل حقبة جديدة في مجال الرعاية الصحية، ونأمل أن يكون ذلك متاحًا لأي شخص في أي مكان للوصول إلى أفضل خيارات التشخيص والعلاج.
المصادر: Futurism
IBM Research Blog
إقرأرأيضًا: معاناة جون ناش الفائز بجائزة نوبل مع الفصام وحادث مماته
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :