كيف أثرت جائحة كورونا على التجارب السريرية؟
نحتاج لعشرات السنوات ومليار دولار أو أكثر لإيصال دواء جديد من المختبر لخزانة الأدوية الخاصة بك. لا يرجع السبب في هذا التعقيد لاختبار سلامة وفعالية الدواء فقط، بل يرجع أيضًا للترتيبات الإدارية وتنسيق الأعمال الورقية، وكذلك في وصول المتطوعين إلى موقع الدراسة ليتم اختبار الدواء عليهم، فغالبًا مايضطرون إلى السفر لمسافات بعيدة مرارًا وتكرارًا.
سعى الباحثون لعدة سنوات لتحسين التجارب السريرية وتسريعها، فعلى سبيل المثال سعت مبادرة تعديل التجارب السريرية (CTTI) للقيام بالإصلاحات التي من شأنها أن تجعل التجارب السريرية أكثر ذكاءً وسرعة، ويسهل وصول المرضى إليها دون التضحية بالجودة. ساهمت جائحة كورونا والمخاطر التي فرضتها في دفع عجلة تغيير التجارب السريرية للأمام. [1]
قبل أن نتعرف على هذه التغييرات دعونا نفهم ماهي «التجارب السريرية-clinical trials»؟
محتويات المقال :
ماهي «التجارب السريرية-clinical trials»؟
هي دراسات بحثية تُجرى على الأشخاص بهدف تقييم التدخل الطبي أو الجراحي أو السلوكي.
إنها الطريقة الأساسية التي يكتشف بها الباحثون ما إذا كان العلاج الجديد آمنًا وفعالًا عند الأشخاص؛ سواء كان هذا العلاج دواء، أو نظام غذائي جديد، أو جهاز طبي (مثل جهاز تنظيم ضربات القلب)، وهي الطريقة التي تمت بها دراسة فعالية لقاحات كورونا على سبيل المثال.
غالبًا ما تختبر التجارب السريرية فعَالية وسلامة الدواء الجديد مقارنة بالدواء القياسي المستخدم من قبل، وقد تختبر التجارب السريرية طُرقًا لاكتشاف المرض، أو طُرقًا لمنع حدوث مشكلة صحية.
من الممكن أن تبحث التجربة السريرية أيضًا في كيفية تحسين حياة الأشخاص الذين يعانون من مرض يهدد الحياة أو مشكلة صحية مزمنة، وأحيانًا تدرس التجارب السريرية دور مقدمي الرعاية أو مجموعات الدعم.
قبل أن توافق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على بدء تجربة سريرية، يُجرِي العلماء اختبارات ودراسات معملية على الحيوانات لاختبار سلامة وفعالية العلاج الجديد. إذا أظهرت هذه الدراسات نتائج إيجابية، فإن إدارة الغذاء والدواء (FDA) تمنح الموافقة على التدخل ليتم اختباره على البشر. [2]
كيف أثرت جائحة كورونا على التجارب السريرية المعتادة؟
تهدُف التجارب السريرية لتحقيق هدفين رئيسيين:
1. حماية المشاركين وعدم تعريضهم لمخاطر غير ضرورية.
2. جمع بيانات عالية الدقة للإجابة على سؤال البحث.
يتطلب القيام بتجربة سريرية العديد من المهام التي لا نعلم ما إذا كانت تساهم حقًا في تحقيق أيًا من هذه الأهداف. تُكلّفنا هذه المهام العديد من المال والوقت.
سلّطت جائحة كورونا الضوء على حاجتنا للتجارب السريرية السريعة والكبيرة والصارمة، فوجدنا أنفسنا في مواجهة مرض لا نملك أي فكرة عن كيفية علاجه.
هذا ما جعل الباحثون ينجحون في إجراء تجارب سريرية سريعة متعددة المراكز مع آلاف المرضى المصابين بفيروس كورونا، وبدأت بعض من هذه التجارب في غضون أسبوع – من مجرد فكرة إلى تسجيل المرضى. هذه سرعة لم يسبق لها مثيل! [1]
كيف جعلت جائحة كورونا التجارب السريرية الافتراضية واقعًا؟
يتم جمع بيانات المشاركين في التجارب السريرية الافتراضية من خلال الهاتف، والإنترنت، وأجهزة المراقبة عن بعد التي يحمِلها المريض، ويمكن لهذا النوع من الدراسات أن يُقدّم العديد من الفوائد لشركات الأدوية بما في ذلك توفير التكاليف.
أجرت شركة Pfizer أول دراسة سريرية افتراضية في عام 2011، والتي تابعت حالة المشاركين باستخدام الهواتف المحمولة والإنترنت. [4] هناك أيضًا دراسة نُشرت في 2019؛ تمت فيها متابعة المرضى عن طريق الهاتف بعد إعطاء المتطوعين أدوية مانعة للتخثر، فقد تم شحن وإرسال هذه الأدوية للمرضى، ومن ثم تمت متابعتهم بالهاتف. [1]
يدعم العديد من الباحثين فكرة أن التجارب السريرية الافتراضية هي المستقبل، ولكن يبدو أن جائحة كورونا جعلت هذا المستقبل حاضرًا، ففي كثيرٍ من الأحيان كان الوضع الافتراضي الطريقة الوحيدة لإكمال دراسة جارية؛ خوفًا من نقل العدوى للمشاركين مثلًا، فطرحت هذه الجائحة في الكثير من الأحيان أسئلة مهمة مثل ما الذي نستطيع فعله وفحصه عن بعد؟ وبالتالي كانت العديد من الفحوصات تُجرى عن بعد. [3]
لقد كانت التجارب السريرية الافتراضية جزء مهم ساعد الباحثون في البحث عن العلاج المناسب لفيروس كورونا؛ على سبيل المثال أُجريت تجربة سريرية افتراضية لمعرفة ما إذا كان بإمكان عقار الهيدروكسي كلوروكين حماية الأشخاص المعرضين لخطر الإصابة بفيروس كورونا، وضمت التجربة أكثر من 800 شخص أُرسِلت لهم الأدوية، وتمت مراقبة صحتهم عن بعد.
والآن بعد أن دفع الوباء المراكز الطبية إلى إنشاء التكنولوجيا التي تشتد الحاجة إليها، وبعد أن أَجبر الوباء إدارة الغذاء والدواء على إصدار إرشادات للتجارب الافتراضية أثناء الجائحة، أصبح من الصعب تخيل عودة البحوث السريرية إلى ما كانت عليه من قبل، وعلى الرغم من التطور الملحوظ الذي حدث في استخدام هذا النوع من التجارب إلا أنه لازالت هناك العديد من المشاكل التي يتوجب دراستها وحلها. [1]
ما هي التغييرات الأخرى التي يمكن أن تجعل البحث أكثر كفاءةً وأقل إرهاقًا؟
إصلاح مجالس المراجعة الداخلية وإعادة تنظيمها تعتبر من الخطوات المهمة لدفع التجارب السريرية للأمام. فعلى سبيل المثال في تجربة سريرية لدراسة الأدوية التي تُنظّمها إدارة الغذاء والدواء (FDA) والسلطات التنظيمية الأخرى في مرضى القلب، وتُجرَى هذه التجربة في 1000 موقع سريري مختلف في 37 دولة، وكان لكل موقع «مجلس استعراض مؤسساتي-IRB» خاص به.
يقوم مجلس IRB بمراجعة أسلوب البحث، والطرق المستخدمة به أخلاقيًا لتضمن أن يكون البحث أخلاقي. يتكون هذا المجلس من عدة أشخاص يصل عددهم إلى 10 أشخاص يراجعون فيه البروتوكول الخاص بالدراسة، ومِن ثم يقررون مشاركتهم في هذه الدراسة من عدمه، ولكن لا يمكن لهذه المجالس المحلية تغيير البروتوكول؛ كل ما يمكنهم فعله هو إجراء تغييرات طفيفة على نماذج الموافقة المحلية، وبالتالي يقترح باحثو هذه الدراسة أن يتم تقليص عدد الأشخاص في IRBs في الدراسات القادمة، لأنه إذا كان مثلًا كل IRB يتكون من 10 أشخاص في الدراسة السابقة، فما قيمة أن يقوم 10000 شخص بمراجعة بروتوكول لا يمكنهم تغييره؟! [1]
في الخاتمة نعلم أنه بسبب الإجراءات المرهقة وغير الفعالة، والقوى العاملة، والموارد الأخرى التي تتطلبها التجارب السريرية لدينا عدد قليل من التجارب السريرية، عدد أصغر من أن يُجيب على عدة أسئلة مهمة، وبالتالي إذا قمنا بتبسيط البنية التحتية البحثية يمكننا تحقيق الكثير لدفع العلوم الطبية ورعاية المرضى إلى الأمام.
لا شك أن البحث السريري مشروع عالي المخاطر، ومنظم للغاية، والتغيير في نظام مثل هذا صعب، ولكن أبرزت جائحة كورونا الحاجة إلى التغيير بل استطاعت أيضًا جعل هذا التغيير واقعًا.
إقرأ أيضًا: تأثير جائحة كورونا على الصحة النفسية.
مصادر كيف أثرت جائحة كورونا على التجارب السريرية؟:
[1]. Scientific American
[2]. NIH
[3]. clinicaltrialsarena
[4]. Pfizer
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :