مع تطور أساليب الري ظهرت فكرة إنشاء المستوطنات، وبدأت تنتشر في وسط بلاد ما بين النهرين لتصل في نهاية المطاف إلى الجنوب حيث ظهرت أولى المدن لدى السومريين. وتميز «عصر ما قبل السلالات- pre strains age» بحوالي 3000-6000ق.م بتوسع وازدهار العديد من المستوطنات الزراعية والتي ساهمت بتطور عمارة حضارة سومر وأكاد. إذ استخدم السومريون أساليب عمارة هذه المستوطنات وطوروها وأضافوا عليها وكذلك فعل الأكاديون لاحقًا. فكيف كانت عمارة حضارة سومر وأكاد؟
محتويات المقال :
عمارة المستوطنات الزراعية
أكواخ القصب
عاش السكان الأوائل في جنوب العراق في منطقة الأهوار بأكواخ من قصب. فحفر البناؤون سلسلة من الثقوب في الأرض، ووضعوا حزمة طويلة من القصب في كل ثقب. فلزم لبناء منزل دائري استخدام سلسلة ثقوب دائرية، بينما استخدِم صفين متوازيين من الثقوب للمنزل المستطيل. وبمجرد إدخال الحزم بإحكام يتم ثني الحزم المقابلة لبعضها البعض وربطها من الأعلى ليتشكل السقف. ثم تغطى بحصر من القصب، وغطّيت أحيانًا بطبقة من الطين في المناطق الأكثر برودة. حيث وفرت حزمة القصب الظل وأعطت بعض العزل. وتطورت بعدها أساليب الإنشاء واستُخدِم اللبن بأنواعه. [1][8]
سامراء
تعود سامراء تقريبًا إلى عام (5500-6000) ق.م. فسكن الناس في منازل من غرف صغيرة وغطّيت أرضيتها بالجص للعمل والمعيشة. بالإضافة إلى وجود غرف لتخزين الطعام وباحات داخلية مع أفران في الهواء الطلق.[2]
حسونة
يقع موقع حسونة جنوب الموصل ويمثل ثقافة قروية متقدمة. ويعود تقريبًا إلى عام (5500-6000) ق.م. وكشفت التنقيبات عن 6 طبقات من المنازل، تزداد كل طبقة تدريجيًا. وعاش شعب حسونة في قرى صغيرة تراوحت مساحتها بين (3.2-0.8) هكتار. وحتى أكبرها كانت أصغر من أريحا حوالي عام 6500 ق.م، فكانت مساحتها تقريبًا 4هكتار. ولم يتجاوز سكان حسونة 500 شخص.
لم يتم العثور على بقايا معمارية في الطبقات الأقدم لذلك افترِض وجود مجتمع شبه بدوي، وعُثر على رماد نيران نتيجةً لذلك يعتقد بأنهم سكنوا الخيام. ووصلت بقايا الجدران في المستوى الثاني إلى ما يقارب 1م. ووجدت جدران متقاطعة بزوايا قائمة، شكلت عدة فراغات في المبنى، بالإضافة إلى فراغات ملحقة لتربية المواشي. ولكن لا يزال الشك قائمًا حول أن المستوطنة تم التخطيط لها.[3]
حلف
يقع تل حلف غرب الخابور أحد روافد نهر الفرات، في سوريا، ويعود تقريبًا لعام (5000-5500) ق.م. ومَثَل تطور القرى الزراعية في أساليب التنظيم وبناء المباني، وقد رُصِفت شوارعه بالحجارة الطبيعية. وسكن لاحقًا من قبل الآراميين.[4]
السومريون
يُعتبر السومريون صانعي الحضارة بمفهومنا الحالي. واستمرت سيطرتهم على جنوب بلاد الرافدين لمدة 2000 سنة تقريبًا قبل أن يتولى البابليون المسؤولية عام 2004 ق.م.
استوطن السومريون المنطقة تقريبًا بين 4000-4500 ق.م على الرغم من احتمالية وصول بعض المستوطنين قبل ذلك بكثير، وعرف هذا الاستيطان المبكر بفترة العُبيد.
فرض السومريون سيطرتهم بحلول عام 3000ق.م على منطقة جنوب بلاد الرافدين. وتألفت حضارتهم من مجموعة من المدن تحولت لمراكز ممالك مدن، ومنها «اريدو-Eridu » و«نيبور-Nippur» و«لجش-Lagash» و«أور-Ur» وأول مدينة في العالم «أوروك-Uruk» في العراق. [5]
الأكاديون
بقيت المنطقة في صراعات ونزاعات دائمة بين الممالك التي سكنتها. وأسس الملك «سركون-Sargon» مدينة «أكادي- agade» في حوالي عام 2300 ق.م في وسط بلاد الرافدين. وتعد أكادي سبب تسمية الأكاديين بهذا الاسم. ووحد الملك المدن المختلفة في المنطقة تحت حكمه. وبعد سقوط سلالة سركون حوالي عام 2150 ق.م تشكلت فكرة نشوء الدولة المركزية الكبيرة. التي وصلت إلى أوجها عند اتحاد الدولة السومرية والأكادية في عهد الأسرة الثالثة في أور 2003-2130 ق.م.[6]
قد يتوقع المرء أن يلاحظ تغييرًا واضحًا في طابع العمارة إثر هذه الأحداث، ولكن الحقيقة ليست كذلك. وربما يرجع ذلك إلى ندرة الأمثلة المستخرجة. إضافةً إلى أن السلالة السركونية قامت بإعادة بناء واستخدام العديد من الأبنية السومرية. ولا تكفي أنقاض المباني للإشارة إلى تغيرات في النمط المعماري أو اكتشاف الابتكارات الإنشائية.[7]
المدن السومرية
أحاط بالمدن السومرية سور بيضوي الشكل غالبًا، ودعم بالأبراج وأحيط به خنادق مائية، واستقرت قرى خارج السور.
ضمت المدن القصور والمباني الدينية بالإضافة إلى قسم الأحياء السكنية والذي يشكل الجزء الأكبر من المدن. وتربط أجزاء المدينة شبكة عفوية من الشوارع والأزقة المتعرجة الضيقة والتي لا تتبع نظامًا معينًا.
وتعد أوروك أقدم مدينة وازدهرت عام 2800 ق.م في العراق، وعاش فيها (80,000-40,000) شخص بين 9.66 كم من الجدران الدفاعية.[5]
ومن أشهر المدن أور في عهد الأسرة الثالثة وتقع عند التقاء نهري الدجلة والفرات، وضمت زيقورة إله القمر نانا.
المنازل السكنية في عمارة حضارة سومر وأكاد
قسم السومريون الشعب إلى ثلاث طبقات، الطبقة العليا للأغنياء والطبقة الوسطى للعاملين. وتضمنت الطبقة الدنيا العبيد.
مساحة معظم المنازل حوالي 90م² واحتوت على فراغ مركزي مربع مكشوف يدعى الفناء والذي يؤمن الضوء والتهوية إلى الغرف التي تُبنى حوله.
كان المنزل المتوسط عبارة عن مبنى صغير، بُني بطابق واحد من اللبن واحتوى عدة غرف حول الفناء وغطّيت أرضيته بالقصب.
بينما عاش الأغنياء في منازل من طابقين، احتوت على 12-10 غرفة وجُهّزت بأبواب ودرج من خشب. وتكون الطابق الأرضي من غرفة استقبال ومطبخ ومكان للخدم، وكسي المنزل بالجص الأبيض. وتوفرت النوافذ أحيانًا فيه ولكنها صغيرة جدًا ووضعت على ارتفاعات عالية، وعَزَلت بكفاءة جزء المنزل الداخلي من الحرارة الخارجية. وغطّيت الجدران والأرضيات بالحصر المصنوع من القصب والسجاد.[8]
بنيت المنازل على نمط واحد عدا منزل العالم إبراهيم في عهد الأسرة الثالثة في أور. فاحتوى المنزل على مكتبة داخلية وبعض الغرف المتداخلة والمتجاورة والتي يفصل بينها أروقة من أقواس نصف دائرية. ووُجدت أدراج بين الغرف مما يدل أن المنزل بني على مستويات مختلفة.
وكانت المنازل في أور في أوقات لاحقة تحتوي على شبكات ثقيلة لتصريف المياه وتعتبر الأولى من نوعها في ذلك الوقت.[4]
القصور في عمارة حضارة سومر وأكاد
اعتمدت القصور على الأفنية والفراغات المحيطة. بحيث تتجمع الوظائف حول فناء محدد وتتم إحاطة المبنى الناتج بسور خارجي. وضمت القصور قسم التمثيل الحكومي، وقسم سكن الملك وحاشيته، وقسم الخدمات والمستودعات. اكتُشف قصران متماثلان في أريدو في العراق ويعتبران من أقدم قصور المنطقة، أحدهما هو القصر الشمالي الذي بني على شكل مستطيل (68*45) م بالطوب من النوع محدب-مستقيم. احتوى القصر على جدارين سميكين من الخارج مع ممر ضيق لحماية القصر.
وفي حقبة الإمبراطورية الأكادية استُخدم اللبن ذو المقطع العرضي المربع، واعتُبرت القصور أكثر أهمية من المعابد. فبنى الملك نارامسين قصر في تل براك غرب نهر الجغجغ في سوريا، وهو شبيه بالحصن، على شكل مربع تقريبًا (95*90) م وكانت الجدران سميكة حوالي 10 م. وتألف القصر من أربعة أفنية أحدهم أكبر من الآخرين وعدد من الغرف والقاعات.[4]
العمارة الدينية
صنف علماء الآثار المعابد وفقًا لمحاور الدخول وتوضع الحرم المقدس حيث يقيم الإله.
عثر على عدة معابد في أريدو ترجع إلى فترة العُبيد وكانت بسيطة واحتوت على غرفة واحدة. في حين أصبحت المعابد اللاحقة تشبه المنازل ذات الفناء. وضمت المعابد الأهم عدة أفنية ومداخل. ودعّمت وعزلت الجدران الخارجية. والهياكل عبارة عن فراغات مستطيلة طويلة والحرم المقدس في نهايتها واحتوى قاعدة لوضع التمثال.
ويتشكل المحور المنكسر حين يوضع المدخل الرئيسي للهيكل من الضلع الطويل، واستخدم هذا النوع في فترة الأسرة الثالثة ووجد في فترات لاحقة أيضأ. استُمدت معابد أوروك من الفترات السابقة واعتمدت المخطط الثلاثي وهي قاعة مركزية مستطيلة طويلة مع غرف على كلا الجانبين. ومنها معبد العيون في تل براك والمعبد المصبوغ في تل عقير.[9] ويمكن التعرف على المعابد من خلال مظهرها المعماري أيضًا.
المعبد البيضوى
واقتُصر على «فترة الأسر- Dynastic era» مثل معبد خفاجي حيث يلتف سور بيضوي من جدارين حول فناء فيه مصطبة ترتفع 6م فوقها معبد.[9]
معابد المصاطب
وجدت استمرارية في عمارة بلاد الرافدين، مثلًا أعيد بناء معبد في أريدو حتى الألفية الأولى ق.م على الرغم من أن المدينة نفسها هُجرت لفترات طويلة. وأدى تكرار ذلك إلى تشكل مصاطب ارتفعت تدريجيًا عن منسوب الأرض واستخدمت أدراج للوصول إلى المعبد. وعُثر على أقدم هذه المعابد في أريدو، فاكتشفت خمس طبقات من المعابد ومُيّزت من أبعاد الطوب المستخدم.
ومن أشهر المعابد المعبد الأبيض وسمي بذلك لأنه يغطّيه طبقة رقيقة من الجص الأبيض. وبني على مصطبة بارتفاع 13م.[9]
واتبع المخطط الثلاثي وهو مستطيل له ثلاث مداخل لم تواجه الأدراج فاحتاج الزوار للتجول حوله وملاحظة مظهره المشرق والقوي ويعتقد أنه من المحور المنكسر.[10]
الزيقورات
تعد الزيقورات تطور لمعابد المصاطب، وهي مصطبة مرتفعة بنيت بأربعة جوانب مائلة مثل الهرم المقطوع من الطوب. وقسمت جدران الزيقورة إلى أجزاء بارزة وغائرة عمودية، ويتم الوصول إلى قمتها عبر درج قاسي يؤدي إلى منحدر اصطناعي (رامب).[10]
يعتبر الملك أورنامو في فترة الأسرة الثالثة أول من بنى زيقورة بالمعنى التقليدي فبناها في مكان بعيد في المدينة موازية للاتجاهات السماوية. بنيت من اللبن المشوي من عدة مصاطب وضمت معبدين.
أشهر زيقورات أور حمراء اللون بسبب استخدام الآجر المشوي بنيت من ثلاث مصاطب وبني المعبد على المصطبة العليا. بنيت الجدران بسمك 2.4م وتخلله ملاط صُنع من القصب والقطران. وارتفعت المصطبة الأولى حوالي 15م والثانية 5.7م والثالثة 3م. وضمت الزيقورة ثلاثة أدراج بارتفاع 12م واحد في الوسط ووقع الآخران على جانبي الزيقورة فانضما إلى الدرج الوسطي واستمرا بالصعود معًا.
بنيت زيقورة أورو بطريقة مختلفة حيث وضعت طبقات من الحصائر المصنوعة من القصب بين طبقات اللبن على مسافات متساوية لزيادة الاتصال بينها. ووضعت حبال في قنوات أفقية اخترقت الزيقورة، يعتقد أنها لتصريف المياه. ووضع البيتومين على الجدران الخارجية وخاصة السفلية لدعمها وللعزل المائي.[4]
المقبرة الملكية
بنى الملك أورنامو مقبرة ملكية في أور تحت الأرض، ضمت غرف دفن وممرات غطّيت بأقواس صنعت من الطوب. ويمكن الوصول إليها عن طريق درج والمدخل مميز على شكل مثلث.[4]
بعض سمات عمارة حضارة سومر وأكاد
استخدمت الأعمدة في كل الفترات تقريبًا ولكنها لم تشكل جزءًا محوريًا في عمارة حضارة سومر وأكاد كما كانت في عمارة الدولة المصرية القديمة واليونان.
تشكلت واجهات مميزة من خلال تناوب سطوح بارزة وغائرة عند بناء الجدران الخارجية مما أعطت مظهرًا فريدًا وخاصةً مع تناوب الظل والنور.
استخدمت الفسيفساء المخروطية لتزيين الجدران في فترة أوروك المتأخرة. وهي مخاريط من الحجر أو الفخار وطولها 15-10سم ذات أطراف ملونة، تلتصق على طبقة سميكة من الملاط الطيني وتُرتَب لتشكِل أنماط هندسية. ولم يتم العثور عليها بعد فترة أوروك.[9]
أحدثت الأبواب مشكلة إذ كانت واسعة كأطول العوارض المتاحة، فإذا وضع الكثير من الوزن على الجزء العلوي من الساكف يمكن أن يحدث انهيار. فأوجد السومريون الحل وبنوا الأقواس لتشكل مداخل الفراغات وكانت الأولى من نوعها.[1] أثرت عمارة حضارة سومر وأكاد على غيرها من حضارات بلاد الرافدين، ولا تزال تعتبر حتى يومنا هذا من أعرق حضارات العالم بما قدمته من إنجازات عظيمة بمختلف المجالات.
المصادر
- Research gate
- The history file
- Cultural property training resource
- Research gate
- History
- Britannica
- Britannica
- Ancient pages
- Silo.tips
- Khan academy
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :