تخيل أن عدد كبير من البشر يعيشون في جزيرة واحدة، وهناك فقط مجموعة صغيرة من الأشخاص على أيديهم بقعة سمراء، وتلك البقعة طفرة. قد تضيع تلك الطفرة إن لم تكن ميزتها قوية، ولكن إذا هاجر أولئك الأفراد الحاملين للطفرة؛ قد تكون الطفرة مفيدة وتنتشر وسط السكان وقد لا يحدث ذلك! [1]
يدرس علماء الأحياء البنية السكانية لفهم آلية توارث الجينات عبر العصور وعلاقتها بالتطور، وهذا هو صلب حديثنا ولكن دعنا عزيزي القارئ نتعرف على أحد الدعائم الرئيسة لدراسة البنية السكانية وربطها بالتطور -كي نثبت أنه حتى الرياضيات أكدت نظرية التطور- ألا وهو الانتقاء الطبيعي.[1]
محتويات المقال :
الانتقاء الطبيعي
عام 1859م، صيغت لأول مرة نظرية التطور عن طريق الانتقاء الطبيعي في كتاب داروين «حول أصل الأنواع». ووضح لنا الانتقاء الطبيعي هو أن الأفراد في المجتمع مختلفون وأن هذا الاختلاف عبّر عن أن بعض الأفراد لديهم سمات وراثية تجعلهم قادرون على التكيف وسط بيئة معينة وأن الأشخاص ذوي السمات التكيفية هم من لديهم القدرة على البقاء والتكاثر، وينقلون تلك الصفات للأجيال التالية وبمرور الوقت تصبح السمات المفيدة أكثر شيوعًا بين السكان.[2]
والانتقاء الطبيعي قادر على أكثر من ذلك، فمن الممكن أصلًا أن يدعم أنواعًا جديدة، وتُعرف هذه العملية بالتطور الكبير. حيث بيّنت لنا تحول الديناصورات إلى طيور والثدييات البرمائية إلى حيتان وأسلاف القردة إلى بشر! ولكن كيف يحدث ذلك؟ يؤدي أحد الأنواع إلى ظهور نوع جديد ومختلف تمامًا، وأصل حدوث ذلك هي الطفرات -هي تغير في بنية الجزئية للجينات-. قد تكون الطفرات عشوائية (ناتجة عن حدوث خطأ أثناء تكرار الخلايا خلال نسخ الحمض النووي) أو تحدث نتيجة للتعرض لكوارث بيئية أو إنسانية أو طبيعية كالمواد الكيميائيّة الضارة والاشعاع للنووي. يمكن أن تكون الطفرات ضارة أو محايدة أو مفيدة في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى سمة جديدة ومفيدة.[3]
الرياضيات إما أن تؤكد أو أن تنفي النظرية التطورية
زادت النماذج الرياضية للانتقاء الطبيعي التطور صعوبة. فقد تم نشر ورقة بحثية جديدة في مجلة «Communications Biology» لفريق متعدد التخصصات من علماء في النمسا والولايات المتحدة، حيث قاموا بتحديد طريقة محتملة للخروج من تلك المتاهة. لكن على صعيد آخر، كانت نتائجهم معارضة بعض الشيء لما يحدث في الطبيعة. في نهاية المطاف، فإن أبحاثهم مفيدة للغاية للباحثين في مجال التكنولوجيا الحيوية وغيرها من المجالات التي تحتاج لتدعيم الانتقاء الطبيعي.[1]
قد أشارت نتائج الدراسة إلى أن ظهور الطفرات المفيدة يجب أن ينتشر عبر السكان. لكن هذه النتيجة غير مضمونة، فيمكن للحوادث العشوائية والأمراض والمصائب أن تمحو تلك الطفرات بسهولة عندما تكون جديدة ونادرة.[3]
لم يكن لدى علماء الأحياء سوى أفكار غير مطبقة علميًا حول تأثير البنية السكانية على الانتقاء الطبيعي. هنا اتجه «مارتن نواك_Martin Nowak» للرسوم البيانية الرياضية، فقد تمثلت في البنية السكانية التي تمثل العلاقات الديناميكية بين مجموعات العناصر. تلك العناصر على رأس الهيكل وتصف الخطوط والحواف بين كل زوج من العناصر المرتبطة في نظرية الرسم البياني التطوري. حيث الكائنات الحية في القمة وبمرور الوقت يكون لدى كل فرد احتمالية إنجاب ذرية مماثلة -حاملة لنفس الصفات الوراثية لكل من الأب والأم ولا يوجد طفرة جديدة بالجيل-، والتي من الممكن أن تحل محل فرد على الرأس المجاور -كما في صورة بالأسفل-. كذلك تواجه مخاطر استبدالها ببعض الكائنات من الجيل التالي.[1]
يتم ربط هذه الاحتمالات في البنية كـ “أوزان” -ذات اللونين الأزرق والأحمر- واتجاهات في الخطوط بين الرؤوس. فالأوزان تمثل السلوكيات في المجتمعات الحية كـ “أن تعبر الارتباطات التي تزيد من احتمال عزل السلالات عن بقية السكان عن الهجرات”.[1]
أهنالك شكوك تحيط كل التأكيدات!
تم نشر ورقة بحثية في مجلة «Nature» عام 2005م، أظهر فيها نواك وزملاؤه مدى قوة بعض البنى السكانية. تلك التي يمكن أن تمنع أو تدعم تأثيرات الانتقاء الطبيعي، فعند وجود أفراد مختلفون أي يحملون طفرة معينة مميزة فأولئك لن يستطيعوا أن يحتلوا أماكن وسط المجتمع وتلك البنية بمثابة عائق للتطور أي لا ينشأ جيل جديد مختلف. أيضًا لا يكون هناك فئات أخرى بينها نسب مشترك، ولكن حدث العكس مع بنية اختبروها العلماء -هي التي تمثل شكل النجمة في الأسفل- ووضحوا أن هناك طفرات تنتشر بشكل فعال. في نهاية المطاف، أتت النتائج بأن النماذج السكانية لهذه الدراسات تنطبق فقط على الكائنات الحية اللاجنسية مثل البكتيريا والميكروبات… [1]
ختامًا -عزيزي القارئ- نستطيع القول بأن الرياضيات أكدت قوة البنى السكانية التي تدعم الانتقاء الطبيعي وتقدم الأوراق الحديثة والسابقة حجة للبنية السكانية كقوة ذات مغزى في التطور.[1]
المصدر:
- quantamagazine
- britannica
- nationalgeographic
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :