
في عالم يتزايد فيه الاعتماد على المقاييس الكمية لتقييم الأداء، أصبح ما يعرف بـ “تصنيف ستانفورد للعلماء الأكثر تأثيرًا” أداة رئيسية لتقييم التأثير العلمي للباحثين على مستوى العالم. هذا التصنيف، الذي أطلقه البروفيسور جون إيوانيديس وفريقه، يهدف إلى تحديد العلماء الأكثر استشهادًا بأبحاثهم، مما يعكس جودة أبحاثهم وأهميتها. وبينما يُنظر إليه كمعيار مرموق، فإنه لا يخلو من الجدل والنقد. وليس لدينا أي مشكلة في تفاخر العلماء والجهات الرسمية في بلادنا والاحتفاء بوجودهم بهذا التصنيف، ولكن وجب إيضاح الحقائق المرتبطة بهذا التصنيف لجمهور القراء، وهذا المقال يستعرض تاريخ التصنيف ومنهجيته، ويسلط الضوء على نقاط قوته وضعفه.
ما هو تصنيف ستانفورد؟
تصنيف ستانفورد هو قائمة تصدر سنويًا، تضم أسماء ما يقارب 2% من علماء العالم الأكثر تأثيرًا. يعتمد التصنيف على قاعدة بيانات “سكوبس” (Scopus) التابعة للناشر العالمي إلزيفير (Elsevier)، وهي واحدة من أكبر قواعد البيانات التي توثق الأبحاث العلمية والاستشهادات بها. يختلف هذا التصنيف عن تصنيفات الجامعات التقليدية مثل QS وTimes Higher Education بتركيزه على الباحث الفرد بدلًا من المؤسسة ككل.
تعتمد المنهجية على مجموعة معقدة من المؤشرات الإحصائية التي تقيس التأثير العلمي للباحث. أبرز هذه المؤشرات:
- عدد الاستشهادات: وهو المقياس الأساسي الذي يعكس مدى استخدام أبحاث الباحث من قبل علماء آخرين.
- مؤشر هيرش (H-index): الذي يربط بين عدد الأوراق البحثية المنشورة وعدد الاستشهادات التي حصلت عليها.
- مؤشر الاقتباس المركب (C-score): وهو مؤشر خاص طوره فريق ستانفورد ليعكس التأثير الحقيقي للباحث، ويأخذ في الاعتبار عوامل مثل عدد المؤلفين في البحث، وموقع اسم الباحث في قائمة المؤلفين، وغيرها.
يتم إصدار قائمتين رئيسيتين: واحدة للعلماء الأكثر تأثيرًا على مدى مسيرتهم المهنية بأكملها، والأخرى للعلماء الأكثر تأثيرًا خلال السنة الأخيرة فقط. هذا يتيح متابعة التطورات الحالية في الإنتاج العلمي.
ما له: نقاط قوة ومزايا التصنيف
يتمتع تصنيف ستانفورد بالعديد من المزايا التي تجعله أداة قيّمة في الأوساط الأكاديمية:
- التركيز على الجودة والتأثير: بدلاً من مجرد قياس عدد الأبحاث المنشورة، يركز التصنيف على تأثير هذه الأبحاث من خلال عدد مرات الاستشهاد بها. هذا يشجع الباحثين على إنتاج أبحاث ذات قيمة حقيقية، بدلًا من مجرد النشر من أجل النشر.
- الشفافية والمصداقية: يعتمد التصنيف على منهجية واضحة وبيانات من قاعدة بيانات موثوقة عالميًا مثل سكوبس. هذا يمنحه مصداقية عالية في المجتمع العلمي.
- حافز للباحثين والمؤسسات: يعد إدراج اسم الباحث في هذه القائمة إنجازًا مرموقًا، مما يمثل حافزًا قويًا لمواصلة البحث والابتكار. كما يساعد الجامعات على تقييم أداء أقسامها وتحديد نقاط قوتها البحثية، مما يدعم التخطيط الاستراتيجي.
- تسهيل التعاون الدولي: يتيح التصنيف للمؤسسات والباحثين تحديد أبرز الخبراء في تخصصاتهم، مما يسهل بناء شراكات بحثية دولية فعّالة، ويشجع على تبادل الخبرات.
ما عليه: أبرز الانتقادات والتحديات
بالرغم من أهميته، يواجه تصنيف ستانفورد انتقادات جادة يجب أخذها في الاعتبار:
- التحيز ضد العلوم الإنسانية والاجتماعية: يعتمد التصنيف بشكل أساسي على عدد الاستشهادات، وهو مقياس غير عادل للتخصصات التي تختلف فيها طبيعة النشر، مثل العلوم الإنسانية، والفنون، والعلوم الاجتماعية. في هذه المجالات، قد يكون التأثير من خلال كتب أو منشورات لا يتم الاستشهاد بها بنفس القدر الذي يتم به الاستشهاد بالأبحاث في مجالات مثل الطب والهندسة. هذا قد يؤدي إلى تهميش علماء هذه التخصصات.
- التركيز المفرط على الأرقام: قد يدفع الضغط للنشر والوصول إلى هذه القائمة بعض الباحثين إلى سلوكيات غير مثمرة مثل التأليف المشترك المبالغ فيه (excessive co-authorship)، حيث يضيف الباحثون أسماء بعضهم البعض لزيادة الاستشهادات، أو الاستشهادات الذاتية (self-citations) لرفع مؤشراتهم. هذا قد يضر بجودة البحث العلمي ككل ويحوله إلى مجرد لعبة أرقام.
- إغفال التأثيرات غير القابلة للقياس: يقتصر التصنيف على قياسات كمية، ويتجاهل جوانب أساسية من العمل الأكاديمي، مثل:
- تأثير البحث على المجتمع: هل ساهمت الأبحاث في حل مشكلة حقيقية أو تطوير تقنية جديدة؟
- التدريس والتربية: هل الباحث معلم مُلهم ومرشد فعال لطلابه؟
- الخدمة الأكاديمية والمجتمعية: هل يساهم الباحث في إدارة الجامعة أو تحرير المجلات العلمية أو المشاركة في لجان صنع القرار؟
- الضغط النفسي على الباحثين: أصبحت التصنيفات العالمية مصدرًا للضغط والقلق على الباحثين، مما قد يؤدي إلى الإرهاق (burnout) وتدهور الصحة النفسية.
خاتمة
يُعد تصنيف ستانفورد أداة قوية وذات مصداقية لقياس التأثير العلمي للباحثين، ويقدم معلومات قيمة للمؤسسات الأكاديمية والباحثين. ومع ذلك، من الضروري التعامل معه بحكمة وإدراك أن الأرقام لا تحكي القصة كاملة. يجب على الجامعات والمؤسسات الأكاديمية استخدامه كأحد المؤشرات، وليس المعيار الوحيد لتقييم أداء الباحثين. فالتأثير الحقيقي للعالم لا يُقاس فقط بعدد الاستشهادات، بل يُقاس بقدرته على إحداث فرق إيجابي في المجتمع، وتنمية الأجيال القادمة، والمساهمة في تقدم المعرفة الإنسانية.
مصادر موثوقة :
- جامعة ستانفورد – قاعدة بيانات التصنيف: https://elsevier.digitalcommonsdata.com/datasets/btchxktzyw/7
- مقال “لماذا معظم الأبحاث المنشورة خاطئة” للبروفيسور جون إيوانيديس: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1182327/
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :