في تقرير صادم نُشر في (BMJ Case Reports)، تم العثور على رجل أمريكي يبلغ من العمر 47 عامًا فاقدًا للوعي في غرفته بالفندق وبالقرب منه حبوب مسحوقة مجهولة الهوية وبقايا لونها أبيض. وكان المسحوق الأبيض ظاهرًا حول فمه. ما جعل هذه الحالة لافتة للنظر هو أنها كانت أول حالة تم الإبلاغ عنها لاعتلال بيضاء الدماغ السمي (toxic leukoencephalopathy). وهو نوع من تلف الدماغ الناجم عن مادة سامة، على وجه التحديد بسبب تدخين الفنتانيل. يسلط الحادث الضوء على اتجاه جديد ومثير للقلق في وباء الفنتانيل المستمر الذي اجتاح الولايات المتحدة لمدة عقد من الزمن.
وتثير هذه الحادثة المثيرة للقلق تساؤلات مهمة حول مخاطر استخدام الفنتانيل، خاصة عند التدخين أو الاستنشاق. مع استمرار ارتفاع استخدام المواد الأفيونية الاصطناعية مثل الفنتانيل وأبناء عمومته الأكثر فعالية، النيتازين والبرورفين، في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فمن الضروري أن يدرك الأطباء والناس المخاطر الخفية لهذه المواد.
محتويات المقال :
وباء الفنتانيل
إن العالم في خضم أزمة المواد الأفيونية، وقد برز الفنتانيل كواحد من أقوى وأخطر العناصر في هذا الوباء. منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم خلط الفنتانيل مع الهيروين والكوكايين، مما يجعل من الصعب على المستخدمين معرفة ما يتناولونه. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع غير مسبوق في الوفيات الناجمة عن الجرعات الزائدة، حيث شارك الفنتانيل في ما يقرب من 30 ألف حالة وفاة في الولايات المتحدة في عام 2020 وحده.
ويمكن إرجاع جذور هذه الأزمة إلى الإفراط في وصف المواد الأفيونية في التسعينيات، مما أدى إلى انتشار الإدمان وتعاطيها على نطاق واسع. عندما بدأت الحكومات في اتخاذ إجراءات صارمة ضد تعاطي المواد الأفيونية الموصوفة طبيًا، تحول العديد من المستخدمين إلى الهيروين وغيره من المواد الأفيونية غير المشروعة. أدى هذا إلى خلق سوق مربحة لتجار المخدرات، الذين بدأوا في ربط منتجاتهم بالفنتانيل لزيادة فعاليته وهوامش ربحهم.
اعتلال بيضاء الدماغ السمي
اعتلال بيضاء الدماغ السام، أو (TLE)، هو حالة تعيث فسادًا في أدمغة الأفراد الذين يستخدمون المواد الأفيونية. تتميز هذه الحالة بتلف المادة البيضاء في الدماغ، مما يؤدي إلى مجموعة من الأعراض المدمرة. من الارتباك الخفيف إلى الغيبوبة وحتى الموت، يعتبر هذا الاعتلال قاتلًا صامتًا يمكنه أن يضرب دون سابق إنذار.
تخيل أن عقلك عبارة عن شبكة معقدة من الأسلاك، حيث تعمل المادة البيضاء بمثابة العازل الذي يحافظ على تدفق الإشارات الكهربائية بسلاسة. وعندما تدخل مواد سامة مثل الفنتانيل والهيروين إلى الصورة، فإنها يمكن أن تجرد هذا العازل، مما يعطل الاتصال بين خلايا الدماغ. والنتيجة هي انهيار في الوظيفة الإدراكية، والتحكم الحركي، وحتى الذاكرة.
تأثير مدمر على الدماغ
أدى استخدام للفنتانيل إلى حدوث أضرار جسيمة في المخيخ والكَرَةُ الشَّاحِبَة (globus pallidus)، مما أدى إلى دخول الحالة المستشفى لمدة 26 يوما. ورغم أنه تعافى تمامًا في نهاية المطاف، إلا أن الآخرين لم يحالفهم الحظ. الحقيقة هي أن اعتلال بيضاء الدماغ السمي يمكن أن يكون حكمًا بالإعدام، ويودي بحياة الناس ويترك العائلات محطمة. ومع احتدام وباء المواد الأفيونية، من المهم تسليط الضوء على هذا الخطر الخفي، وتثقيف الجمهور حول العواقب المدمرة لهذا المرض.
ما يثير القلق هو أن فعالية الفنتانيل تزيد من خطر الإصابة بالمرض، خاصة عند التدخين أو الاستنشاق. وذلك لأن الدواء يصل إلى الدماغ بشكل أسرع وبتراكيز أكبر، مما يجعل تناوله أكثر خطورة. ومع استمرار كثرة استخدام الفنتانيل في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، فمن المحتمل أن يتم الكشف عن المزيد من الحالات.
إن الآثار المترتبة على هذا الاكتشاف بعيدة المدى. يجب أن يكون الأطباء على دراية بإمكانية تسبب الفنتانيل في حدوث اعتلال بيضاء الدماغ السمي وإضافته إلى اختبارات فحص السمية الروتينية الخاصة بهم. علاوة على ذلك، فإن ظهور المواد الأفيونية الاصطناعية الأكثر قوة، مثل النيتازين والبروفين، يسلط الضوء على الحاجة الملحة لتطوير طرق الفحص لتحديد هذه المواد.
رحلة المريض من اللاوعي إلى التعافي
إن رحلة هذا الرجل من فقدان الوعي إلى التعافي هي رحلة رائعة. وبعد أن وجد فاقدًا للوعي في غرفته بالفندق، تم إدخاله إلى المستشفى لمدة 26 يومًا قبل نقله إلى منشأة تمريض متخصصة لمدة شهر آخر. خلال هذه الفترة، خضع لعلاج مكثف، بما في ذلك العلاج الطبيعي، والعلاج الوظيفي، والعلاج النفسي.
ورغم خطورة حالته، تعافى المريض بشكل كامل خلال عام، وعاد إلى العمل واستعاد حياته الطبيعية. واللافت في هذه الحالة هو أن المريض لا يتذكر هذه الحادثة، وهو دليل على الآثار المدمرة للفنتانيل على الدماغ.
تعتبر رحلة هذا المريض بمثابة منارة أمل للمتضررين من المرض. في حين أن 40% من المرضى الذين يعانون من اعتلال بيضاء الدماغ السمي المرتبط بتعاطي المخدرات يموتون في غضون شهر، وتعافت أربع حالات فقط من أصل 51 حالة تمت مراجعتها بشكل كامل، فإن قصة هذا المريض تظهر أنه مع العناية الطبية السريعة والعلاج القوي، من الممكن التغلب حتى على المرض.
المصادر:
سعدنا بزيارتك، جميع مقالات الموقع هي ملك موقع الأكاديمية بوست ولا يحق لأي شخص أو جهة استخدامها دون الإشارة إليها كمصدر. تعمل إدارة الموقع على إدارة عملية كتابة المحتوى العلمي دون تدخل مباشر في أسلوب الكاتب، مما يحمل الكاتب المسؤولية عن مدى دقة وسلامة ما يكتب.
التعليقات :